القاهرة | لا تزال الأجواء في جهاز المخابرات العامة المصرية ضبابية في شأن ما سيلي إطاحة مدير مكتب وزير المخابرات اللواء عباس كامل، المقدّم أحمد شعبان، الذي كان يُعتبر الحاكم الفعلي للجهاز، والمسؤول بصورة أساسية عن إدارة وسائل الإعلام التي استحوذت عليها الدولة كلّياً خلال السنوات الماضية. وما رسّخ حقيقةَ رحيل شعبان هو إعلانه قرار التحاقه بالبعثة الدبلوماسية في اليونان بعد انتهاء «منتدى شباب العالم» الذي كان يشرف على تنظيمه (سيُختتم في 17/12/2019)، وذلك عبر تدوينة كشف فيها «حقائق عن مواقع التواصل الاجتماعي ومستخدميها»، لكنه التزم الصمت بعدها على عكس المعتاد، وهو ما جعل بعض الطامحين يتودّدون إليه عبر تدوينات داعمة له من دون ذكر اسمه صراحة، خاصة أنه يطلب ألّا يُذكر اسمه.أكبر إخفاقات شعبان في الشهرين الأخيرين، كما تكشف مصادر، مشهد «حرق اسم الابن»، أي نجل الرئيس، محمود السيسي، في حلقة في برنامج عمرو أديب، حينما استضاف الأخير أحد ملّاك صيدلية «19011»، والذي يحمل اسم نجل الرئيس، من أجل تكذيب ملكية المخابرات لسلسلة الصيدليات التي يشارك فيها الجهاز مع مستثمرين إماراتيين، وقد كانت فكرة المقدّم بنفسه. لكن هذه الخطوة جاءت بنتائج عكسية، شأنها شأن مشهد استقبال الرئيس عند عودته من نيويورك قبل شهرين، حيث طلب شعبان من حزب «مستقبل وطن» حشد 1000 مواطن في المطار، واختار مذيعة محجبة للقول إن النظام ليس ضد الدين. والآن، يواجه الرجل أزمة من جرّاء فتح تحقيقات موسّعة حول الخسائر المالية الناجمة عن سوء إدارة مشروعات بعينها، ومن ذلك الهدر في شبكة «dmc» التي لم تحقق أيّ نجاح، مع أن الإنفاق عليها فاق مليارَي جنيه، وأن إدارتها الفنية تغيّرت ثلاث مرات، الأمر الذي أثار استياءً إماراتياً.
أحد الملفات التي يتم التحقيق فيها حرقُ اسم محمود السيسي إعلامياً


على مستوى الصحافة، لم يكتفِ المقدّم بالسيطرة على الصحف التابعة للدولة، أكانت خاصة أم حكومية، بل كوّن شبكة خاصة، وأسهم في تمويل شراء «الدستور» من مالكها الأصلي بـ16 مليون جنيه، من دون أن تحقق حتى الآن تأثيراً في الجمهور. كذلك، سمح شعبان بسيطرة محمد فودة على «الدستور»، وهو شخص متهم بالفساد ومتورّط في رشى مالية أبرزها لوزير الزراعة في عهد السيسي ووزير آخر في عهد حسني مبارك، كما كلّف رئيس تحريرها، محمد الباز، بكتابة مقالات ضد إعلاميين، منهم أحمد خالد توفيق وعمار علي حسن. وانضمّ إلى هذه الشبكة الخاصة موقع اسمه «القاهرة 24» كان يستخدم لتمرير «بالونات اختبار»، وطُلب من عمرو أديب التوصية به في برنامجه. والأمر نفسه ينسحب على موقع «الرئيس» الذي نشأ بدعمه، وهو مستمرّ من دون إعلان مصادر تمويله، ويستخدم حالياً لتشويه كلّ الإعلاميين الذين أبعدهم شعبان.
كذلك، كانت للرجل سلطة على شركة «بي إنترأكتيف» المسؤولة عن حساب السيسي على «تويتر»، والتي نفّذ عبرها مشروعات أخفقت في مواجهة الإعلام المعارض، مثل: «لمبة»، «زي الكتاب ما بيقول»، وحلقات ساخرة بعنوان «الشيخ أتة». كما استعان بشخصية تدير أحد المراكز الثقافية الأوروبية في مصر من أجل التواصل مع الشباب المعارضين ومحاولة استقطابهم لحضور «منتدى الشباب» بحجة الانفتاح عليهم، لكن مع تجهيز حملات هجومية موازية لحرقهم عند المعارضة. أيضاً، تجري تحقيقات في حجم ما صُرف على «الأكاديمية الوطنية للتدريب»، التي وقف وراءها لتكون ذراع السيسي لإنتاج جيل جديد من الشباب المؤيدين والجاهزين للسيطرة على كلّ المؤسسات والمصالح الحكومية.
وعلى رغم الارتباك الذي تثيره «زوبعة شعبان»، لم تتوقف الأجهزة الأمنية للحظة واحدة عن ملاحقة المعارضين، فقد اقتحم أمس رجال أمن بزيّ مدني مقرّ موقع «مدى مصر»، وعملوا على تفتيش المكان والأجهزة بعد احتجاز جميع العاملين، وعلى رأسهم رئيسة التحرير لينا عطا الله، والصحافيون حسام بهجت، ورنا ممدوح، ومحمد حمامة (أفرج عنهم بعد ساعات)، وذلك بعد يوم من القبض على المحرر شادي زلط من بيته، وكلّ هذا على خلفية نشر الموقع تقريراً عن نقل محمود السيسي إلى روسيا.