بعد زيارته إلى البحرين للقاء وفد أميركي رفيع المستوى، توجّه رئيس المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق»، فائز السراج، إلى تركيا. شارك السراج، رفقة وفده المتكوّن من وزيرَي الخارجية والداخلية ووكيل وزارة الدفاع وآمر غرفة العمليات المشتركة ومستشاره للأمن القومي، في مباحثات مع الجانب التركي، أدّت إلى توقيع «مذكّرتَي تفاهم إحداهما حول التعاون الأمني والثانية في المجال البحري»، وفق بيان لمكتب السراج. لم تَنَلِ المذكّرة الخاصة بالتعاون الأمني اهتماماً كبيراً، بسبب انشغال أغلب الفاعلين بالتجادل حول المذكّرة الخاصة بالمجال البحري.الجزء الأكبر من البرلمان المجتمع في شرق البلاد اعتبر أنه يجب أن تُعرض عليه المذكّرة للمصادقة عليها، فيما عبّرت الحكومة المؤقتة، التي تسيطر على شرق ليبيا بالتعاون مع المشير خليفة حفتر، عن رفضها العام لأيّ اتفاقيات تبرمها حكومة «الوفاق» لكونها «مبرَمة من غير ذي صفة». وأشارت الحكومة المؤقتة، في بيان لها، إلى تركيا بشكل خاص، قائلة «(إننا) نعلم علم اليقين - وبالأدلة الدامغة - ما يشوب علاقة ما تسمى بحكومة الوفاق وتركيا من جدل وشبهات، لكون الوفاق المزعوم وشخوصه يسعون لتحقيق مآرب الرئيس التركي الاستعمارية، وإعانته على تحقيق حلمه في إقامة إمبراطورية عثمانية». هذا الاتهام الأخير تكرّر أيضاً في بيان أصدرته «رابطة القبائل العربية الليبية في مصراتة»، وجاء فيه أن حكومة «الوفاق» تحاول وضع البلاد «تحت وصاية وحكم الباب العالي في تركيا، عبر شراذم تعود أصولهم إلى تركيا وبحر قزوين»، في إشارة إلى أصول وزير الداخلية، فتحي باشاغا، وعدد من المسؤولين من ذوي الأصول الشركسية. وبلهجة تحذيرية، قالت القبائل المعنية إنها تجهّز لـ«مفاجأة أكبر من أن تتحمّلها هذه العصابات وسادتها في الباب العالي».
لم يجب سيالة ولا حكومته بصفة عامة على سؤال «لماذا الآن؟»


في المقابل، خلّفت مذكرة التفاهم ردود فعل مرحّبة لدى المعسكر المقابل. إذ قال مبعوث حكومة «الوفاق» إلى دول المغرب العربي، جمعة القماطي، في تغريدة على «تويتر»، إن طرابلس «استنجدت عام 1551 بالدولة العثمانية في التحرّر من «فرسان القديس يوحنا»... فأرسلت قوة بحرية». وأضاف القماطي، في محاولته رسم تشابه بين ذلك الحدث التاريخي وبين التوقيع على المذكرة، أنه «بعد اتفاقية أمس، ستصل البارجات التركية بأحدث المنظومات لدعم طرابلس ومن يدافع عنها ضدّ عدوان حفتر ومرتزقته». لكن وزير الخارجية، محمد الطاهر سيالة، تحدث عن المذكرة في مداخلة تلفزيونية بنبرة أكثر دبلوماسية، حيث أوضح أن المذكّرة جاءت «نتيجة مباحثات مطوّلة مع الجانب التركي، تتعلّق بتحديد مجالات الصلاحية البحرية في المتوسط، وتعني حماية الحقوق المشروعة للطرفين في المنطقة الاقتصادية الخالصة لكلّ منهما». ولفت سيالة إلى أن المذكّرة تندرج ضمن «اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار» (1981)، معتبراً أنها تحمي السيادة الليبية. وأبدى استعداد حكومة «الوفاق» لتوقيع مذكرات مشابهة لتحديد المجال البحري مع الدول التي عبّرت عن قلقها من التفاهم مع تركيا، مذكِّراً بسوابق في هذا الإطار مثل اللجوء إلى محكمة العدل الدولية زمن معمر القذافي لتحديد المجال البحري مع تونس ومالطا.
مع ذلك، لم يجب سيالة ولا حكومته بصفة عامة على سؤال «لماذا الآن؟»، خاصة وأن المذكّرة لا تعود على ليبيا بمصلحة واضحة. وفي هذا الإطار، بيّن الباحث المختص في الشأن الليبي، جلال الحرشاوي، أن تركيا هي مَن طلبت توقيع المذكّرة في خريف عام 2018، لكن حكومة «الوفاق» تمنّعت آنذاك خوفاً من إثارة غضب دول مهمة في الاتحاد الأوروبي. وأشار الحرشاوي إلى أن الدعم التركي لحكومة «الوفاق» تراجع في الشهرين الأخيرين في مقابل ارتفاع الدعم المقدّم لحفتر، ما جعلها يائسة وأخضعها لمطلب أنقرة. الآن، يُفترض أن تُحصّل الحكومة دعما إضافياً من تركيا التي استفادت من توقيع المذكرة بفكّ عزلتها في المتوسط، وتعزيز تأويلها للاتفاقيات الخاصة بالمياه الإقليمية، لكنها أسّست عداوة مع اليونان وقبرص اللتين ستسعيان مستقبلاً إلى عرقلة أيّ قرار داعم لها ضمن مؤسسات الاتحاد الأوروبي، كما يمكن أن تتلقى ردّ فعل سلبياً من الولايات المتحدة التي تدعم محور مصر - اليونان - إسرائيل في شرق المتوسط.