صنعاء | تمضي الأوضاع في المحافظات الجنوبية في اتجاه معركة فاصلة بين شركاء «اتفاق الرياض» الموقّع في الخامس من الشهر الفائت في العاصمة السعودية. فحالة الاستنفار بين قوات حكومة عبد ربه منصور هادي وميليشيات «المجلس الانتقالي الجنوبي» الموالي للإمارات في محافظات عدن وأبين وشبوة الجنوبية بلغت أشدها، وسكان تلك المحافظات يترقّبون انفجاراً عسكرياً سيتمّ برعاية سعودية بعدما فشلت قواتها الموجودة في عدن في نزع فتيل التوتر.حالة قصوى من التوتّر تسود الأطراف اليمنية لـ«اتفاق الرياض» المتعثّر. توتّر بدأ بالخلافات حول تنفيذ بنود الاتفاق بين الموقّعين، حين سارع «المجلس الانتقالي الجنوبي» الى اتهام حزب «الإصلاح» بالسيطرة على قرار حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، وعلى مؤسسة الرئاسة القابعة في الرياض. الخلافات زادت التوجّس بين الطرفين، في ظل غياب الثقة بينهما، وأسهمت في تعقيد عملية التنفيذ على الأرض، وذلك خصوصاً بعدما سلكت حكومة هادي طريق الحرب الباردة عبر فرض وجودها العسكري في محافظتَي شبوة وأبين، حيث مركز الصراع مع «الانتقالي». الأخير رفض استمرار التحشيدات العسكرية لحكومة هادي إلى المحافظتين، واعتبر وصول تعزيزات عسكرية ضخمة إلى أبين مخالفاً لاتفاق الرياض الذي يلزم بسحب «القوات الشمالية» من المحافظات الجنوبية بعد 40 يوماً من توقيع الاتفاق.
بموازاة ذلك، عمل «الانتقالي» (منذ عودة رئيسه عيدروس الزبيدي إلى مدينة عدن أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي على متن طائرة إماراتية بصورة مفاجئة) على الدفع بالمزيد من الميليشيات التابعة له والموالية للإمارات إلى عدد من مناطق محافظة أبين، تحسباً لأي مواجهات. إلا أنه خلال الأيام القليلة الماضية، رفع سقف التهديدات ضد حكومة هادي بعدما اتهمها بالعمل على تقويض الاتفاق والعمل بشكل مضاد لبنوده على الأرض ورفضها صرف رواتب ميليشياته. وهو ما تنفيه حكومة هادي وتعدّه تهرّباً مسبقاً من تسليم الأسلحة الثقيلة للميليشيات التابعة له والانقلاب على اتفاق الرياض برفض العودة الكاملة للحكومة وإعاقة عودة قوات «الحماية الرئاسية» إلى مدينة عدن والاستمرار في السيطرة على مؤسسات الدولة في المدينة. كل تلك الاتهامات المتبادلة بين طرفي الاتفاق جرت وسط صمت قيادة التحالف السعودي في عدن التي شُدّدت فيها الحراسات على معسكر التحالف في مديرية البريقا وسط المدينة، بعدما سجّلت ثماني عمليات اغتيال، في غضون أسبوع، طاولت عدداً من ضباط الاستخبارات الموالين لحكومة هادي وقيّدت في سجلات الشرطة باسم مجهول.
شهر مضى على توقيع اتفاق الرياض، فيما ملامح الفشل ظهرت سريعاً. فبعد الفشل في إعادة حكومة هادي الحالية بكامل قوامها بعد أسبوع من الاتفاق جراء اعتراض «الانتقالي» على عودة عدد من الوزراء الجنوبيين، لا تحسين للخدمات في عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى، وثمة فشل كذلك في تسمية محافظ ومدير أمن محافظة عدن، فضلاً عن تسمية حكومة جديدة مناصفة بين الطرفين.
شهر مضى على توقيع اتفاق الرياض، فيما ملامح الفشل ظهرت سريعاً


ومع محاولات الرياض دفع الطرفين لتشكيل لجان عسكرية للبدء بدمج ميليشيات «الانتقالي» بقوات تابعة لحكومة هادي، استغلت الأخيرة الفرصة لإعادة حضورها العسكري في عدن وإعادة الانتشار في محافظتي شبوة وأبين خلال الأسابيع الماضية. وبدأت بإرسال قوات عسكرية كبيرة مدعّمة بمختلف أنواع الأسلحة من محافظة مأرب إلى مدينة عدن، وهو ما عدّه «الانتقالي» انقلاباً غير معلن على اتفاق الرياض، ليواجه تلك الخطوة بتوجيه ميليشياته لإعلان حالة الاستنفار القصوى ورفع درجة الاستعداد القتالي في محافظتي عدن وأبين. كما وجه ميليشياته بوقف أي تدفق لما وصفها بـ«ميليشيات الإخوان» نحو أبين حتى وإن استدعى ذلك استخدام القوة. وهو ما حدث بالفعل أول من أمس، عندما اعترضت ميليشيات «الانتقالي» في محيط مدينة أحور (انسحبت منها قوات موالية لهادي قبل أسبوع بتوجيهات سعودية)، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات عنيفة بين الطرفين استخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة وأدت إلى مقتل نائب قائد «الانتقالي» في أحور سالم السامحي وأربعة آخرين، إضافة إلى مقتل وإصابة ستة من عناصر القوات الموالية الهادي التي قدمت باسم «اللواء الأول حماية رئاسية» مسنودة بأكثر من 50 عربة وآلية عسكرية، بقيادة أحد مشايخ مأرب وكانت في طريقها نحو مدينة عدن. عقب ذلك، دفع «الانتقالي» بتعزيزات عسكرية ضخمة لقوات الحزام الأمني التابعة له إلى الخطوط الأمامية في منطقة الشيخ سالم بمدينة زنجبار بمحافظة أبين، خشية اقتحام قوات هادي المدينة والسيطرة عليها. وأعلن سيطرته الكاملة على مدينة أحور التي لم يكن فيها أي قوات موالية لحكومة هادي. وفي الاتجاه نفسه، استدعى «الانتقالي» ميليشيات تابعة له من محافظة الضالع لتغطية الفراغات في خطوط التماس مع قوات حكومة هادي في منطقة شقرة بأبين.
وبالتزامن مع الاستعدادات لمعركة فاصلة، أعلنت قيادات محسوبة على «الانتقالي» أنها ستحرق أي قوة تتقدم نحو عدن، وستقاتل أي قوة تمنعها من ذلك. كما هددت باعتقال رئيس وزراء حكومة هادي والوزراء الموجودين في عدن في حال تقدّم أي قوات صوب مدينة عدن. وبرّر «الانتقالي» رفضه السماح لقوات «اللواء الأول حماية رئاسية» بأنها تتكون من عناصر حزب «الإصلاح» («الإخوان المسلمون» في اليمن).
وتعليقاً على تلك الاشتباكات، جدّد «الانتقالي»، أول من أمس، التزامه الكُلي بمضمون اتفاق الرياض، داعياً الطرف الآخر الى التعامل بالمثل. واتهم في بيان حكومة هادي بـ«الخروج عن نص الاتفاق ومن ذلك عملية التحشيد المستمرة باتجاه الجنوب». وأكد «تمسّكه بحقّه في الدفاع عن أرضه، وعلى قدرته في التصدي وردع أي قوة تحاول تجاوز خطوط التماس الحالية». ودعا قوات حكومة هادي إلى الانسحاب فوراً، كما حذّر من وصفها بـ«جماعة الإخوان المتطرفة» من إفشال الاتفاق. وبعد صدور البيان الذي حاول من خلاله «الانتقالي» التأكيد على أن أي معركة قادمة مع قوات حكومة هادي سيخوضها كشريك رئيسي في الحكومة عكس وضعه السابق، أصدرت قيادة «المنطقة العسكرية الرابعة» الموالية لـ«الانتقالي» في عدن توجيهات عاجلة مساء الخميس للجهات العسكرية التابعة لها بـ«رفع اليقظة والاستعداد القتالي لمواجهة أي خروقات تسعى إلى إفشال اتفاق الرياض، بدءاً بالتصدّي للميليشيات الإخوانية في محور أبين وكافة المحاور».
الجديد أمس أن القوات السعودية لمّحت إلى قصف قوات هادي في منطقة شقرة الواقعة بين محافظتي أبين وشبوة. ووفقاً لمصادر مقرّبة من «الانتقالي»، فإن قيادة التحالف في عدن طلبت انسحاب قوات هادي القادمة من عدن إلى مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة. وهو ما نفاه مصدر في حكومة هادي، أكد أن تعزيزات القوات التابعة للحكومة جاءت بتنسيق مع الجانب السعودي. في الأثناء، دفع «الانتقالي» بقوات ضخمة مكوّنة من دبابات حديثة ومدرّعات إماراتية إلى ضواحي مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين، حيث حالة التوتر على أشدها.