القدس المحتلّة | تعود قصة تجنيد الفلسطينيين في صفوف جيش الاحتلال، رسميا، إلى عام 1956، بعد صدور قانون التجنيد الإجباري لأبناء الطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة. وللأسف، نجحت تل ابيب والى حد كبير جدا، في مساعيها لدى دروز فلسطين، ووصلت نسبة التجند في صفوف الاحتلال لتجاوز الـ 80 بالمئة، رغم ان السنوات الاخيرة شهدت تراجعا في هذه النسبة.بعدما حصلت تل ابيب على توقيع ما يقارب 16 شخصية ممن رأت انهم ممثلون عن الطائفة الدرزية لإجبار شباب الطائفة على الخدمة العسكرية في الجيش الاسرائيلي، أنشأت لهم كتيبة خاصة بهم، باتت تعرف حاليا بـ «الكتيبة الدرزية»، او «حورف» بالعبرية، تنتشر في العادة المتبعة في كل مناطق الاحتلال مع الفلسطينيين او على الحدود مع لبنان، تكريساً لسياسة فرق تسد، بحيث تخلق صورة نمطية عن اندماج كافة الدروز في المؤسسة الأمنية الاسرائيلية.
كان هدف دولة الاحتلال الأساسي، سلخ أبناء الطائفة الدرزية عن مجتمعهم الفلسطيني، لكن انخراط الدروز في السياسة الاسرائيلية، وتمثيلهم في أحزاب صهيونية، لم يمنعا استمرار مناهضة الخدمة الإجبارية في جيش الاحتلال من يوم ظهورها. فأعداد الشباب الرافضين للخدمة وسط الدروز في ازدياد في الفترة الأخيرة، رغم الانخراط، إلاّ أن المؤامرة في سياسة الحقوق مقابل الواجبات التي حدثت مع الدروز دليل على هذه الخدعة، إذ إن ما يقارب 80% من أراضي الدروز صُودِرت والآلاف من البيوت مهددة بالهدم .
نسبة التجند لدى الدروز لم تشفع لهم لدى الاحتلال، ولم تحمهم من عنصريته. الطائفة الدرزية في فلسطين، عندما سنّت دولة الاحتلال قوانينها بهدف تجنيد الشباب الفلسطيني داخل صفوف جيشها، لم تكن تفكّر عبثاً، ولم تسع فقط لفرض جبروتها على كامل الأرض الفلسطينية وعلى شعب احتلته وأقليّات خلقتها بفضل سياساتها العنصرية، بل كانت أيضاً تنظر الى أبعد من ذلك. كانت تسعى إلى طمس الهوية الفلسطينية لدى فلسطيني 1948، وإلى أن تصهر فيهم وعياً اسرائيلياً صهيونياً بحيث يصبح العرب بكافة طوائفهم يرون هويتهم في اسرائيل.
في هذا السياق يرى المحامي والناشط الحقوقي يامن زيدان، وهو من مؤسسي حراك «ارفض شعبك بيحميك» المناهض للتجنيد الإجباري المفروض على دروز فلسطين، ولكافة أشكال التجنيد، أنه سنوياً يُزجّ في السجون العسكرية بعشرات الشبان الدروز الرافضين للخدمة؛ منهم من منطلق وطني ومنهم من لا يجد منفعة في الخدمة. ويرى زيدان، وجوب التصدي لهذه المؤامرة، وذلك من خلال التوعية الجماعية ومنع المحتل من تفتيت النسيج الفلسطيني أكثر فأكثر، من خلال «تأكيد الشعب الواحد والهموم الواحدة والمصير الواحد».
وبحسب مؤتمر هرتسليا، فإن 50.4% من الشباب الدرزي مُتهرّب من الخدمة الاجبارية، ولا ينهي خدمته، وأن نسبة ولاء الشبان الدروز لدولة اسرائيل انخفضت من نسبة 4.4% سنة 2002 الى نسبة 2.3 % سنة 2012».
كما هو الحال مع الطائفة الدرزية في فلسطين، تحاول تل ابيب سحب تجربتها على الطائفة المسيحية. وقد ظهرت في الآونة الأخيرة، مجموعات ومحافل اسرائيلية تطالب بتجنيد الشباب المسيحيين داخل جيش الاحتلال، فتية وفتيات؛ وهذا التوجه هو أخطر من أن يوصف فقط بظاهرة، وخاصة في ظل تجاوب، وإن كان نسبيا ومحدودا، لعدد من المسيحيين. وبحسب معطيات ودراسات قام بها الباحث يسري خيزران، وصل عدد المجندين من المسيحيين عام 2013، الى ما يقرب من 650 شاباً وشابة، الامر الذي يقرع ناقوس الخطر، أمام كل المعنيين والمتابعين والناشطين من فلسطينيي عام 1948.
كاهن الطائفة الأورثوذكسية الأسبق في الناصرة، الأب جبرائيل نداف، أطلق منتدى تجنيد الشباب المسيحيين قبل عدة سنوات، ونجح في تسجيله كجمعية عام 2012 وتلقى من خلاله دعم جمعيات إسرائيلية يمينية متطرفة، مثل «أيم ترتسوا» اي (إذا أردتم)، التي تسعى إلى نشر الأفكار الصهيونية، ليس فقط داخل اليهود الاسرائيليين، بل ايضا لدى الفئات غير اليهودية..
تحول الكاهن الاسبق الى ما يمكن وصفه بالعقل المحرّك الذي يتلقى أوامره من الاحتلال ومن وحدة خاصة أُنشئت في مكتب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ترمي الى الدفع قدما، بكل الجهود المبذولة لتجنيد المسيحيين في صفوف الاحتلال. ومن خلال نداف، تجري متابعة كافة النشاطات المتعلقة بالمنتدى لتجنيد المسيحيين. حتى إن نتنياهو سجّل رسالة أرسلها على شريط فيديو، مهنئاً القائمين على المبادرة بعيد الميلاد، ومطلقاً الوعود لهم بحمايتهم من أي اعتداء قد يواجهونه.
لدى سؤال الرئيس الأسبق لمجلس الملة الأرثوذكسي، عزمي حكيم، لماذا نداف؟ أجاب: للأسف المشروع السلطوي لتجنيد المسيحيين الفلسطينيين ليس وليد اليوم، ففي عام 1956، كانت هناك محاولة بائسة، استخدمت ايضا احد رجال الدين المسيحيين، لكن جرى احباط المحاولة الاسرائيلية، بعدما وقف قادة الجماهير العربية الفلسطينية في وجه هذا المخطط الفئوي الطائفي، وقفة رجل واحد.
ويضيف حكيم : «بما ان السلطة تريد تقسيمنا الى طوائف وملل، فهي لا تتعامل مع الأحزاب كممثل للجماهير العربية، بل تريدها زعامة طائفية وقبلية وعائلية، ولتنفيذ هذا المشروع كانوا بحاجة الى ثوب وصليب بهيئة كاهن، وبعد بحث ليس بطويل، وجدوه في نداف الذي لبى النداء من دون تردد».
ويصف حكيم هذا المشروع بأنه «مشروع حكومي سلطوي صهيوني، أُعدّ بدقة في أروقة مكاتب وزارة الحرب والشاباك، وصولاً الى مكتب رئيس الوزراء. ونداف لا يتعدى كونه دمية بأيدي هؤلاء النخبة، والسلطة هي التي جنّد له ولشركائه بعض المنظمات الصهيونية العنصرية لتدعمهم».
واختراق المسيحيين لم يأتِ من فراغ، فهو ناتج عن سياسة التفريق العنصري التي تتبعها سلطات الاحتلال تجاه المجتمع الفلسطيني، منذ احتلال أرضه؛ كان الدروز والبدو والشركس أول ضحاياه، والمأساة تكرر مجدداً، من خلال محاولة اختراق المسيحيين، والتركيز على تجنيدهم اليوم ليس الا محاولة لعزل المسيحيين في مفهوم الطائفة .
لكن ما هي الدعاية المستخدمة لجذب الشباب المسيحي للتجند في صفوف الاحتلال؟ يجيب عن هذا السؤال مؤسس ومدير «جمعية الشباب العرب – بلدنا في حيفا»، نديم الناشف، الذي يقول ان «تجنيد الشباب المسيحي داخل صفوف الجيش الإسرائيلي، يقوم على ثلاثة ادعاءات: اولا، أن المسيحيين ليسوا عرباًَ، بل هم آراميون، وبالتالي ليسوا جزءاً من المنطقة؛ ثانيا، ضرورة العمل على حماية المسيحيين في ظل المتغيرات في العالم العربي، لان المسيحيين هم أول من دفع ثمن الحرب في العراق ومصر وسوريا وتنامي تيارات (التكفيرية) كجبهة النصرة وداعش؛ أمّا الادعاء الثالث، فهو استغلال البيئة الخصبة التي خلفتها خلافات عائلية وسياسية في بعض المدن والقرى، لتخويف المسيحيين».
الأزمة التي شهدتها مدينة الناصرة بين الحركة الاسلامية والتيارات العلمانية، جعلتها بيئة خصبة وملائمة كي يظهر نداف وأعوانه، ويحاولوا السيطرة على المشهد، وإطلاق مبادرة كارثية، تُظهر الاحتلال كأنه هو الصدر الحنون الذي يفتح ذراعيه للمسيحيين، في عالم عربي متأسلم ولمتطرف.
ويستغرب الدكتور يسري خيزران دعوة الكاهن نداف، قائلاً «مستغرب ومستهجن جداً ان يقوم هذا الأرثوذكسي بدعوة المسيحيين لينضموا إلى جنود دولة الاحتلال. فتاريخ الطائفة الأورثوذكسية يشهد على مر العصور لأبنائها بانتمائهم للقضايا الوطنية والقومية. هم رواد الحركات اليسارية والماركسية والعلمانية».
بعض الشباب العرب فقد هويته الثقافية والقومية والتاريخية وانصهر في المجتمع الاسرائيلي، اعتقاداً منهم بانهم قد يحصلون على المساواة وفرص عمل أفضل بتخليهم عن فلسطينيتهم. والأدهى من ذلك هو عدم فهمهم للخدمة المدنية والفخ الجديد المنصوب لهم، لكن الأخطر من ذلك هو خروج المخططين الى العلن «اللي استحوا ماتوا» وحصولهم على شهرة وأموال لتسويقهم الاحتلال وجيشه.
ما أشبه اليوم بالأمس، كأن التاريخ يعيد ذاته، أو ان البعض لم يتعلم من التاريخ شيئاً، فدرس جيش «جنوب لبنان الجنوبي» العميل لم يستوعبه البعض، لم تؤت العبر ثمارها. فماذا ينفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه ووطنه .




هل نحن أمام انطوان لحد جديد؟

يجيب الرئيس الأسبق لمجلس الملة الأرثوذكسي، عزمي حكيم: لا استطيع ان اقارن بين الاثنين، بسبب الفوارق في الجغرافيا والمكان والزمان، فلحد كان يقف على رأس ميليشيا مسلحة لحماية اسرائيل، أما كاهن التجنيد عندنا، فلا يستطيع ان يكون زعيم ميليشيا، لكنهم يروجون للشباب المسيحي بأن الخدمة في الجيش هدفها حماية المسيحيين المهددين من قبل اخوانهم المسلمين، برغم أننا قلنا لهم إننا بحاجة إلى حماية دولية جراء سياسة التمييز العنصري التي نعانيها اسلاماً ومسيحيين ودروزا». وما اذا كانت اسرائيل تسعى إلى بناء جيش بديل لجيش لبنان الجنوبي؟
قال حكيم: «لا اعتقد ذلك، لأن جيش الاحتلال لا يسمح بوجود عصابات مسلحة أو ميليشيات داخل دولته، والقضية العينية لا تتعدى كونها خطة لزرع بذور الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، ولتفتيتهم الى طوائف وملل.