سلفيت | يخوض الأسير الفلسطيني أحمد عمر زهران، اليوم السادس والثمانين من معركته الثانية على التوالي، خلال بضعة أشهر من الإضراب المفتوح عن الطعام، مُتسلّحاً بالصبر والأمل بكسر سيف الاعتقال الإداري، ورافضاً أن تظلّ حريته مرهونة بـ«مزاج مخابرات العدو»، فيما يردّد لسان حاله: «دائماً قدّ التحدي». وأُسر زهران (42 عاماً) في آذار/ مارس الماضي، ولم يوجّه إليه العدو تهمة واضحة، ليقضي آنذاك أربعة أشهر خلف القضبان بالحكم الإداري. وعقب تمديد الاعتقال أربعة أشهر أخرى، فتح الأسير معركة الإضراب، لينجح في الحصول على وعد من العدو بمنع التمديد مرة أخرى، وينهي إضرابه في 24 تموز/ يوليو الماضي بعد 39 يوماً. لكن العدو تنكّر للاتفاق، واضعاً الأسير مرة أخرى أمام سيناريو تجديد الاعتقال، ما دفع أحمد إلى معاودة الإضراب بعد أقلّ من شهرين على معركته الأولى. معاودةٌ أثارت غيظ مخابرات الاحتلال، الذي عمد إلى إصدار أمر اعتقال إداري جديد بحق زهران في 24 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قبيل أن ينتهي الأمر السابق الذي كان مقرراً في السادس والعشرين من الشهر نفسه. وفوجئ أهل الأسير والفلسطينيون، أمس، بحديث الإعلام العبري عن أن زهران فكّ إضرابه، الأمر الذي نفاه «نادي الأسير» ومؤسسات حقوقية فلسطينية، مؤكدين استمراره في معركته. وفي هذا الإطار، يقول الأسير المُحرر محمد القيق، لـ«الأخبار»، إن العدو يعتمد سلسلة من الأساليب لإجبار الأسير على فكّ إضرابه، ومن بين ذلك «الإشاعات» التي يروّجها، لأنها تهدف إلى «تبريد رد الفعل خارج السجن، وسدّ الطريق أمام أيّ تحرك شعبي، وإبعاد الأنظار عن وضع الأسير»، مضيفاً أن «من الأساليب المنتهجة أيضاً قمع الأسير وعزله، وفرض النوم عليه من دون فراش، حتى وصل الأمر إلى إقامة حفلة شواء قرب سجن عوفر غرب رام الله تزامناً مع إضراب الأسرى منتصف أبريل (نيسان) 2017».
يقاوم زهران مخابرات العدو بأمعائه الخاوية منذ 86 يوماً

الوضع الصحي لزهران يقترب من حالة الخطر الشديد مع زيادة عدد أيام الإضراب. ففي اليوم الـ45، كان لا يستطيع الوقوف، ولا ينام سوى ساعتين، ويعاني ألماً في المفاصل، كما خسر حتى يومذاك 27 كلغ من وزنه، علماً بأنه خلال أول أسبوعين من إضرابه لم يُسمَح له بالاستحمام سوى مرة وحدة. أما بعد اليوم الثمانين، فنقله العدو على عجل من سجن «الرملة» إلى مستشفى «كبلان» حيث يمكث مقيّداً بالسرير خاسراً 3 كلغ أخرى. وتعود جذور الأسير إلى قرية دير أبو مشعل شمال غرب رام الله (وسط الضفة)، وهو متزوجٌ وله أربعة أبناء، ويُعدّ قيادياً محلياً بارزاً في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، وقد قضى أكثر من 15 عاماً في سجون العدو. ووفقاً للقيق، وهو صاحب تجارب سابقة في الإضراب، فإنه «ليس سهلاً على الأسير الإداري أن يخوض الإضراب مُجدّداً بعد الإضراب السابق بشهرين، لعوامل تتعلق بطبيعة جسم الإنسان وصحته، وأيضاً العامل النفسي». لكن المسألة تتحول إلى «تحدٍّ بين مخابرات العدو والأسير الذي يتنصل العدو من الإفراج عنه»، على الرغم من أن فتح نار الإضراب الفردي مجدداً «أمرٌ صعبٌ، ولا يستطيع كلّ أسير خوض هذه التجربة مرتّين متتاليتين في أشهر»، كما يقول القيق.
وفق الإحصاءات، ثمة تسعة أسرى إداريين على الأقلّ تنكر العدو منذ 2018 لوجود اتفاق بالإفراج عنهم بعد خوضهم الإضراب الفردي، ليجدوا أنفسهم لا يزالون في السجن، وذلك يعود إلى «أسلوب مخادع تتبعه مؤسسة مصلحة سجون الاحتلال والمخابرات الإسرائيلية، يتمثل في إيهام الأسير المضرب بالاستجابة لشروطه عند تدهور صحته بمجرّد وعد شفوي تبدو عليه الجدية، وبتحديد سقف زمني للإفراج». ويضيف القيق أن «رضوخ الاحتلال لمطالب المضرب لا يتم إلا بعاملَين هما: وجود المحامي الفلسطيني الرسمي مقابل النيابة الإسرائيلية التي تمثل المخابرات، وتوافر الإرادة لدى الأسير على الإضراب حتى النهاية... من دون اتفاق رسمي يمكن للعدو أن يتهرّب في أيّ لحظة». أما عن تجربة معارك الإضراب الفردي التي دشّنها خضر عدنان في 2015، فيرى القيق أن «ضعف الجهد الرسمي والجماعي خارج السجون انعكس على السجون نفسها، وهذا ما يدفع الأسير الإداري إلى الخلاص الفردي لكسر اعتقاله بنفسه، لأنه لا حلول أخرى سوى الانتظار والعيش في دوامة تجديد الاعتقال».