عملياً، لا حاجة إلى هذا الغاز، لأن معدل الكميات المستهلكة في محطات توليد الكهرباء عام 2018 بلغ ما مقداره 381 مليون قدم مكعب يومياً، أسهمت بنسبة 87% في توليد الطاقة الكهربائية آنذاك. والأردن يعتمد على مصر لاستيراد الغاز عبر أنبوب يتعرّض لهجمات أدت إلى تفجيره وانقطاع الضخ، ما عدّته الحكومة من مبررات استيراد الغاز الإسرائيلي، في حين أن القاهرة، التي وقعت الاتفاقية نفسها أيضاً، استأنفت ضخّ الغاز إلى عمّان منذ أيلول/سبتمبر 2018، ما أسهم بنسبة 10% في توليد الطاقة. وبحسب بيانات الحكومة، كان من المتوقع تزويد الأردن بنحو نصف احتياجات النظام الكهربائي من الغاز المصري عام 2019، فيما تسهم الطاقة المتجددة المحلية في توليد 11%، عدا مصادر الطاقة التقليدية، ما يعني أنه لا حاجة إلى استيراد غاز جديد.
عملياً، لا حاجة لعمان إلى هذا الغاز في ظلّ تواصل تدفق الغاز المصري
من جرّاء ذلك، عمدت عمّان إلى إجراءات مرنة لتشجيع استخدام الغاز في القطاع الصناعي، إذ خفّضت الضريبة على الغاز للصناعات من 16% إلى 7%، مع إعفاء مدّته ثلاث سنوات من الضريبة للشركات التي تَحوّلت من استخدام زيت الوقود أو غيره إلى الغاز الطبيعي. لكن الخطوة التي تفضح الصفقة هي بدء البحث الفعلي عن زبون للكهرباء الفائضة، وقد بدأ الترويج لمسألة تصدير الكهرباء إلى أوروبا ودول مجاورة عُرض الموضوع عليها، ومنها لبنان، فيما تمّ بالفعل التوقيع في كانون الأول/ ديسمبر 2018 على مذكرة تفاهم بين الكهرباء العراقية والطاقة الأردنية لتعزيز الربط الكهربائي بين الدولتين، على أن يُنفّذ هذا المشروع على ثلاث مراحل بالتنسيق مع شركتَي الكهرباء الأردنية والعراقية. وسبق هذه المذكرة في تشرين الأول/ أكتوبر 2018 التوقيع على عقد تبادل الطاقة بين الكهرباء الأردنية وكهرباء القدس لغايات تزويد محافظة أريحا بالطاقة، كما اتُفق على إجراء الدراسات الفنية للربط بين الأردن وفلسطين (الضفة المحتلة) على الجهد العالي.
العقد الأخير أُتبع بخطوة جديدة أعلنها رئيس سلطة الطاقة الفلسطينية، ظافر ملحم، تمثلت في توقيع اتفاقية شراء الطاقة من الأردن، والذي قال إنه سيُسهم في «تحقيق الانفكاك الاقتصادي في مجال الطاقة (من إسرائيل) إضافة إلى تنوع مصادرها». كلام ملحم يشير إلى أن السلطة تشكّل زبوناً مضموناً للأردن بحجة الاعتماد على عمّان في الكهرباء بدلاً من إسرائيل التي تتحكّم في هذا المطلب الحيوي، مع أن عمّان أصلاً تستورد الغاز الإسرائيلي لتوليد فائض كهرباء وبيعه، أي إن الأردن سيتحوّل إلى وسيط، وسيشكّل مع مصر ذراعَي تصريف للغاز الإسرائيلي في الإقليم. تعقيباً على ذلك، يقول عضو «الحملة الوطنية لإسقاط اتفاقية الغاز»، محمد عبسي، إنه بتدفق «الغاز الصهيوني، سيفرض التطبيع على المواطنين الأردنيين، وهذا أمر لم تنجح فيه السلطات التي وقّعت وادي عربة لمّا كان التطبيع محصوراً على المستوى الرسمي». ويضيف عبسي: «ستُرهن سيادة الدولة لإسرائيل لـ15 عاماً، سواء بالوقوع مباشرة تحت الضغط الإسرائيلي، أم بوضع قيود على الأردن تمنعه من ثروته الغازية الطبيعية وتقنّن ذلك وفق بنود الاتفاقية».