استمرّت، أمس، الاشتباكات في جنوب العاصمة طرابلس، حيث أحرزت قوات المشير خليفة حفتر بعض المكاسب الميدانية في محاور الهضبة وصلاح الدين وعين زارة، لكن أبرز التطورات تركّزت في منطقة أبو سليم ذات الكثافة السكانية العالية. وتحاول قوات حكومة «الوفاق» صدّ هجوم قوات حفتر، مستفيدة في ذلك من الغطاء البشري وطبيعة المنطقة المَدينية، إلا أن هذه الاشتباكات تتسبّب بأضرار وخيمة على المدنيين، خاصة مع استعمال القصف الصاروخي والغارات الجوية التي كثيراً ما تخطئ هدفها أو تصيب البنايات المجاورة للأهداف بأضرار كبيرة.ولا ينحصر القتال في جنوب طرابلس، إذ تحاول قوات حفتر التحرك غرب سرت والاقتراب من مدينة مصراتة. يأتي ذلك بعد خسارة «الوفاق» سيطرتها على سرت يوم الأحد، علماً أن المدينة الساحلية الواقعة وسط البلاد كانت قاعدة دفاع متقدّمة بالنسبة إليها. وسقطت سرت في أيدي قوات حفتر بعد نجاحها في تحصيل ولاء «الكتيبة 604 مشاة» التي ينتمي أغلب أعضائها إلى التيار السلفي «المدخلي» وتنتمي قيادات مهمة فيها إلى قبيلة الفرجان، وهي القبيلة نفسها التي ينحدر منها حفتر. وقالت قوات حفتر، أمس، إنها سيطرت على منطقة الهيشة، وتحاصر قوات «الوفاق» في منطقة أبو قرين التي تشهد اشتباكات بين الطرفين. وذكرت وسائل إعلام مقرّبة من قوات حفتر أن الأخيرة تجري مفاوضات سرية مع فاعلين من مصراتة بهدف خلق أجواء داخل المدينة تسمح بتغيير موقعها على خريطة الصراع، متحدثة عن وجود خلافات ما بين قيادات مصراتة، عمّقتها خسارة قوات المدينة مواقعها في سرت والتحالف مع أنقرة.
ولم تكتف قوات حفتر بفتح جبهات قتال ميدانية حول مصراتة، بل أعلنت أمس أنها شنّت ستّ غارات جوية على مواقع في الكلية العسكرية في المدينة. كذلك، وجّه مكتب حفتر خطاباً رسمياً إلى «مصلحة موانئ النقل البحري» في ميناءَي مدينتَي مصراتة والخُمْس لحظر السفن عن الرسوّ فيها باعتبارها «منطقة عمليات عسكرية»، مُهدّداً باستهداف المخالفين للقرار. بدوره، وجّه رئيس «مصلحة الموانئ والنقل»، حسن مسعود، تعميماً إلى وكالات وشركات الملاحة لإعلامها بمنع رسوّ السفن التجارية في الميناءين. وتعتبر مصراتة العمود الفقري لقوات «الوفاق»، نظراً إلى حجم قواتها وجودة تسليحها، إضافة إلى الثقل السياسي والاقتصادي للمدينة ونخبها. وتنتشر التشكيلات العسكرية المنحدرة من مصراتة في جبهات جنوب طرابلس ومناطق تصل إلى حدود مدينة سرت التي كانت ضمن نطاق سيطرتها منذ دحر تنظيم «داعش» منها عام 2016.
بلغت تكلفة الأسلحة التي أرسلتها تركيا إلى ليبيا حوالى مليار دولار


على المستوى الدولي، شارك المبعوث الدولي الخاص إلى ليبيا، غسان سلامة، أمس، في الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل. وقالت البعثة، في بيان، إن سلامة «قدّم إحاطة شاملة حول الأوضاع الحالية في ليبيا»، إضافة إلى تناوله ندوة برلين وتشديده على «إنجاح الحوار الليبي - الليبي الذي أطلقته البعثة في مساراته الثلاثة الاقتصادي والأمني والسياسي». وقال مصدر أوروبي، لوكالة «آكي» الإيطالية، إن الاجتماع الأوروبي ناقش «الدفع باتجاه التوصل إلى وقف إطلاق نار مستدام، ما يخلق أجواء ملائمة للحوار السياسي بين الأطراف الليبية». من جهته، كشف سلامة أنه بعث رسالتين إلى مجلس النواب في طبرق شرق ليبيا والمجلس الرئاسي في غربها، داعياً إياهما إلى «بدء حوار سياسي قبل نهاية الشهر الجاري»، لافتاً إلى أن «مفتاح الحل... يوجد أساساً في أيدي الليبيين». لكن يبدو عقد حوارات بين الأطراف الليبية أمراً مستبعد الحصول الآن، خاصة مع انقسام البرلمان الذي صار جزء من أعضائه يعقدون اجتماعاتهم في طرابلس، وفي ظلّ عزم قوات حفتر حسم النزاع عسكرياً.
من جهة أخرى، أعلن رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية التركي - الليبي، مظفر أكسوري، أمس، أن بلاده ستُوقّع بحلول شهر شباط/ فبراير مذكرة تفاهم مع ليبيا لتعويض خسائر المشاريع التركية في ليبيا وتسديد الديون. وبيّن أكسوري أن الاتفاق، الذي بصدد التجهيز، يشمل خطاب ضمان بمليار دولار عن الأضرار التي لحقت بالآلات والمعدات، و1.2 مليار عن الديون غير المسدّدة، إضافة إلى توقيع عقود استثمارات جديدة. ويُنظر إلى هذه المذكرة الجديدة كجزء من حزمة شروط وضعتها أنقرة لتوفير الدعم العسكري لحكومة «الوفاق»، شملت توقيع مذكّرة التفاهم لترسيم الحدود البحرية بين البلدين. ووفق مصادر، بلغت تكلفة الأسلحة التي أرسلتها تركيا إلى ليبيا حوالى مليار دولار، تتضمّن أساساً أثمان طائرات قتالية مسيّرة وعربات مدرّعة.