حتى ليل أمس، لم يعلن أيّ من الأطراف المعنيّين بـ«هدنة» إدلب، من أنقرة إلى موسكو ودمشق، انهيارها، على رغم الخروقات الكبيرة التي شابتها منذ اليوم الأول. بات واضحاً أن أولئك الأطراف لا يريدون قطع «شعرة» الهدنة الأخيرة، ولو اشتعل الميدان بأنواع القصف والهجمات. واستمرّت، أمس، وإن بوتيرة أخفّ، موجات القصف التي يشنها الجيش السوري ضدّ مواقع ونقاط تمركز المسلحين في ريف إدلب الجنوبي، غير أن الحصة الأكبر من القصف المركّز والمكثّف كانت من نصيب ريف حلب الغربي، بعدما قُتل أربعة مدنيين على الأقلّ جرّاء قصف بالقذائف الصاروخية على حيّ سكني في مدينة حلب، شنته المجموعات المسلحة المتمركزة في الريف الغربي، وفق ما أوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا». وفي وقت لاحق، نقلت «سانا» عن مصدر عسكري قوله إن القيادة العامة للجيش «تشدّد على أن ما تقوم به من عمليات عسكرية ومن استهداف للإرهابيين في أماكن تمركزهم يأتي في نطاق الردّ على مصادر النيران بعد الاستهدافات المتكررة للمدنيين» في مدينة حلب. وأضاف المصدر إن الفصائل «اعتدت على الممرات الإنسانية التي تمّ فتحها لإخراج المدنيين من المناطق التي ينتشر فيها الإرهابيون، في محاولة لمنع المواطنين من الخروج لمواصلة استخدامهم دروعاً بشرية». وكان الجيش السوري قد تابع عملياته في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، وبسط سيطرته على قرى تل خطرة وأبو جريف ونوحية شرقية ونوحية غربية، بعد معارك مع الفصائل المسلحة.
من الواضح أن جبهة ريف حلب الغربي مرشّحة لتكون ساحة عمليات واسعة في الأيام المقبلة

ومن الواضح أن جبهة ريف حلب الغربي مرشّحة لتكون ساحة عمليات واسعة في الأيام المقبلة. إذ يحشد الجيش السوري قواته في المنطقة منذ أيام استعداداً للتقدّم باتجاه المناطق التي يسيطر عليها المسلحون. كما تنقل تنسيقيات المسلحين مشاهد وأخباراً حول عملية تحشيد مضادّة تقوم بها الفصائل المسلحة، وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة) للدفاع عن المنطقة في حال تقدّم الجيش. كذلك، حشدت الفصائل المسلحة قواتها للدفاع عن مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي، ومعرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، واللتين تعدّان الهدفين الأهمّ لتقدّم الجيش، ويعرّضهما انهيار خطّ الدفاع في ريف حلب الغربي لخطر السقوط. وكانت المصادر العسكرية السورية قد أكدت مراراً أن منطقة ريف حلب الغربي «لا تقع بأيّ حال ضمن المنطقة التي يشملها وقف إطلاق النار الأخير»، مشيرة إلى أن انطلاق العمليات في المنطقة «بات وشيكاً، ولا يحول دونه شيء». وأوردت صحيفة «الوطن» السورية المقربة من الرئاسة، في عدد أول من أمس، أن «هدوء جبهات حلب يسبق عاصفة الحسم التي جهّز لها الجيش السوري جيداً، لبدء عملية عسكرية ضخمة تنطلق من ريف المحافظة الجنوبي، للسيطرة على البلدات الواقعة على طول الطريق الدولية الممتدة من حلب إلى سراقب والمتاخمة له، وتطاول جبهات غربي المدينة لتأمينها». ولفتت الصحيفة إلى أن قوات الجيش السوري «استقدمت تعزيزات عسكرية ضخمة إلى جبهات القتال، وأعدّت العدة والخطط العسكرية جيداً لتحقيق الحسم العسكري، وخلال فترة قصيرة نسبياً، على الرغم من الحشود العسكرية المقابلة». ويمكن أن يؤشّر تجدّد القصف والتحركات العسكرية في المنطقة إلى تأزم المفاوضات بين الروس والأتراك حول ملف إدلب، وخصوصاً مع ما يُحكى عن معركة كبرى يحضّر لها الجيش في ريف حلب الغربي، هدفها الوصول إلى الطريق الدولي «M5».
من جهته، رفض مركز المصالحة التابع لوزارة الدفاع الروسية في سوريا التقارير التي تحدثت عن تنفيذ الطائرات المقاتلة الروسية ضربات جوية على أهداف مدنية في منطقة خفض التصعيد السورية في إدلب. وقال الميجور جنرال يوري بورنكوف، قائد المركز، في مؤتمر صحافي، إنه «منذ بداية وقف إطلاق النار، لم تقم قوات الفضاء الروسية بأيّ طلعات جوية في المنطقة». في المقابل، رأى المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، بيتر ستانو، أن «الوضع في محافظة إدلب شمال غرب سوريا مثير جداً للقلق»، لافتاً إلى «استمرار هجمات الحكومة السورية وحليفتها روسيا على المنطقة». وأضاف، خلال مؤتمر صحافي، إن «الاتحاد الأوروبي يركّز على الوضع في إدلب، ويمنحه الأولوية في ما يخص الملف السوري». وشدد على أهمية وقف إطلاق النار هناك، في إطار «اتفاق أستانا».