دمشق | يتساءل الطالب في كلية الآداب، مجد ع.، بقليلٍ من اللوم: «لماذا قضينا كل هذا الوقت كي ندرك أن خونة سوريا، ووطنيوها، موجودون في الطرفين؟ وإن كان هذا مسموحاً للناس العاديين، فكيف له أن يكون مسموحاً لنا نحن الجامعيين؟». يجيبه زميله في مقصف الكلية: «ليست المشكلة في أننا تأخرنا لندرك ذلك. بل تكمن في الدم الذي أريق خلال ذلك الوقت». حتى منتصف الأزمة، لم يكن هذا النوع من الأحاديث سائداً في الجامعة، بل كان الشرخ السياسي العميق هو المنتشر بين طلاباً مؤيدين للنظام، وآخرين معارضين له.
وقد تجلّى هذا الشرخ من خلال المواجهات التي خيضت بين الطلاب المعارضين و«الهيئات الإدارية» التابعة لـ«الاتحاد الوطني لطلبة سوريا»، بالإضافة للأجهزة الأمنية المتواجدة في جامعة دمشق.
في حينه، اتخذ شكل الصراع طابع الاحتقان الذي كان يصيب أحد الطرفين، بعدما يقوم الآخر باستفزازه. ومنه ما جرى في كلية الهندسة المعمارية في جامعة دمشق، حين قامت الهيئة الإدارية بتعليق علم سوري كبير جداً، تتوسطه صورة كبيرة للرئيس بشار الأسد، بعدما كانت الكلية قد شهدت تظاهرات واعتصامات عدة. وهذا ما أثار حفيظة الطلاب، حتى من غير المعارضين، «حيث كان من الأجدى على الاتحاد أن يقوم باستحضار الرموز الوطنية الجامعة للسوريين، كالعلم السوري، لا أن يَضرب الرموز الجامعة باستحضار رموز غير متفق عليها بين الطلاب. لو فعل ذلك لتجنبت الجامعة الكثير من الصدامات»، تقول ديمة، إحدى الطالبات «المحايدات» في الكلية.
شكَّلت أحداث التظاهرات مخزوناً في ذاكرة طلاب الجامعة. لكلٍ من الطرفين تفاصيلاً وقصصاً يعود إليها عند كل سجالٍ سياسي. يذكر الطلاب «المعارضون» في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية كيف شاركت «حشود من الاتحاد الوطني والهيئة الإدارية وفروع الأمن في قمع التظاهرات السلمية التي كنا خرجنا فيها. في البداية كانت حجتهم أن الشعارات مستفزة كثيراً، فجربنا أن نقوم باعتصام صامت في الكلية، ولم تختلف النتيجة أبداً. لا ضربة كف زادت ولا عصا كهربا قلِّت!»، يروي أحد الطلاب. وفي المقابل، يذكر الطلاب المؤيدون حملة التشهير التي خاضها المعارضون ضدهم، حيث افتتح بعض الطلاب المعارضون صفحات مخصصة لتعميم صور الطلاب والأساتذة «العواينية للنظام». يتناقل طلاب الجامعة قصة الدكتورة التي شهَّر بصورتها بعض طلاب المعارضة، رغم أن «كل ما فعلته هو أنها منعت الطلاب أن ينقلوا الخلافات السياسية إلى داخل مدرجات المحاضرة. وأجبرتهم على الالتزام بموضوع المحاضرة فقط». يذكر أنّ هذا الأسلوب تحوَّل مع الوقت إلى أداة لتصفية الحسابات الشخصية بين الطلاب. تقول الطالبة ديالا ياسين (اسم مستعار) في حديثٍ مع «الأخبار»: «صار الطالب إذا انزعج من صديقته يقوم بنشر صورها كمعارضة على شبكات الأخبار المؤيدة، أو كشبيحة على تنسيقيات المعارضة. الحمد الله خلصنا من هذا الأسلوب».
مزاج جديد من وحي التحوّل العام
خفت الاحتدام ما بين الموالاة والمعارضة بشكلٍ كبير. فاليوم، تندرج أحاديث الطلاب وسجالاتهم السياسية في سياق الحل السياسي على نحو أساسي. إذ لم يعد الخلاف السائد في كليات ومعاهد دمشق يدور حول أشخاص بعينهم، بل بات يتجسد بالخلاف حول طبيعة هذا الحل السياسي، والخطوات الواقع على عاتق الفقراء السوريين مهمة تحقيقها. حيث كثرت التوافقات والتقاطعات بين أغلبية الطلاب، مما سهّل التواصل فيما بينهم أكثر، وخفف حالة الاحتقان. «زملاؤنا الذين كنا نختلف معهم حول تفاصيل تخطاها المجتمع السوري، بتنا نتفق معهم على محاربة التكفيريين، وأهمية الحفاظ على جهاز الدولة السورية. أجبرنا العنف نحن الطرفين أن نغيِّر اصطفافاتنا السياسية لمصلحة الوطن»، يقول فادي حمزة، الطالب في جامعة دمشق.
وفي ذات السياق، يؤكد الطلاب على أن لجم الخلافات الثانوية لا يعني إلغاء الصراع، «غير أننا بتنا نفهم الصراع بعمق أكثر.
محمد، الطالب اليساري في كلية الاقتصاد، يراه «اليوم صراعاً بين المستفيدين من الحرب العسكرية، وهؤلاء يؤمن لهم الصراع استمرار نفوذهم السياسي، وبين من يدفعون فاتورة العنف الأعمى، وهم الساعون إلى الوقوف مع الجيش العربي السوري، ضد التكفيريين والفساد الداخلي في ذات الوقت».
وحتى التجاوزات الخارجة عن السياق العام للتحول الجديد، فقد أصبح الطلاب على اختلاف انتماءاتهم ينبذونها. على سبيل المثال، صارت ظاهرة حمل السلاح علناً من قبل بعض «اللجان الأمنية» في الحرم الجامعي مرفوضة حتى عند بعض الطلاب المحسوبين على الموالاة. كذلك بات العديد من الطلاب المعارضين يرفضون الدعوات التحريضية لإعادة تأجيج الانقسام العمودي في الجامعة.