قال رئيس الحكومة المكلّف، إلياس الفخفاخ، في ندوة صحافية أمس، إن عشرة أحزاب عبّرت عن دعمها له، بينها حركة «النهضة» و«التيار الديمقراطي» وحركتا «الشعب» و«تحيا تونس»، إضافة إلى أحزاب ذات تمثيلية ضعيفة في البرلمان على غرار حركتَي «نداء تونس» و«مشروع تونس». وأعلن الفخفاخ أنه تلقّى ردود فعل إيجابية على «وثيقة التعاقد الحكومي» التي اقترحها كبرنامج عمل، وتحوي الأهداف العامة التي سيعمل عليها، مثل تخفيض عجز الموازنة والتضخّم، والعمل على حلّ قضايا اجتماعية من قبيل الأزمة المستمرة في محافظة قفصة التي تحوي مناجم فوسفات. وواصل الفخفاخ، أمس، مشاوراته مع الأحزاب، كما بدا متفائلاً بإمكانية الانتهاء من اختيار التشكيلة الحكومية وإعلانها منتصف الأسبوع المقبل. لكن، على رغم التناغم الظاهر، ثمة تناقضات قد تطيح المسار بأكمله، وتعيد تشكيل المشهد السياسي.
في حال لم ينجح الفخفاخ في إقامة توازن بين الأحزاب لن يبقى خيار آخر غير إعادة الانتخابات

عنوان هذه التناقضات هو حركة «النهضة» التي قال الفخفاخ إنها تدعمه. في واقع الأمر، صدرت تصريحات متضاربة عن قياديّي الحركة، تعكس أزمة داخلية متنامية. قبل أيام، دعا الناطق باسم «مجلس شورى النهضة»، عبد الكريم الهاروني، إلى تشكيل «حكومة وحدة وطنية موسّعة» تتكوّن من حزام سياسي عريض. واعتبر الهاروني أن المشاورات يجب أن تشمل جميع الأحزاب، من دون إقصاء. وليست هذه المرة الأولى التي يثير فيها قيادي في الحركة هذه النقطة، والمقصود بها إشراك حزب «قلب تونس» الذي أقصاه الفخفاخ، رفقة «الحزب الحرّ الدستوري»، من المشاورات. قد يبدو الأمر غير مفهوم؛ إذ ركّزت «النهضة» خلال حملتها الانتخابية على الدعاية ضدّ «قلب تونس»، الذي اعتبرته ممثلاً لقوى نظام زين العابدين بن علي، كما حاولت بعد الانتخابات التشريعية تشكيل حكومة من دونه. لكن، يعكس هذا التناقض انقساماً داخل الحركة، بين خطّ يقوده رئيسها راشد الغنوشي، يدافع عن خيار إشراك «قلب تونس» في الحكم، وآخر يسعى إلى التقارب مع أحزاب يعتبرها سليلة الثورة. عاشت «النهضة» تناقضاً مماثلاً في السابق، حيث تحالفت مع حركة «نداء تونس» بعد عداوة مريرة بينهما. مع ذلك، ثمة إشارات إلى أن الأمر قد يكون مختلفاً الآن. سابقاً، قاد الغنوشي التقارب مع «نداء تونس» بحجج مثل الحفاظ على الوجود والتصدّي لـ«القوى الاستئصالية» التي تريد القضاء على الحركة. لكن هذه المرة، ثمة تيار واسع داخل «النهضة» يعارض التقارب مع «قلب تونس»، ويعتبره تنازلاً آخر عن مبادئ الحركة، وهو يبدو مستعداً لدفع المعركة مع الغنوشي إلى أقصاها. بدوره، يمثل «ائتلاف الكرامة» مشكلة للفخفاخ الذي أعلن أن الائتلاف يسانده. عانى هذا الائتلاف من صراعات داخلية منذ وصوله إلى البرلمان، حيث شهد انشقاقات متتالية، وتعصف به حالياً خلافات داخلية قابلة للتصاعد. مع ذلك، لا تزال كتلته البرلمانية وازنة، لكن الوجه الأبرز داخلها، سيف الدين مخلوف، عبّر عن رفضه للفخفاخ منذ تكليفه بتشكيل الحكومة على اعتبار أنه لا يملك ثقلاً شعبياً.
تتوقف إذاً حسابات الفخفاخ لتشكيل حكومة من دون حزبَي «قلب تونس» و«الدستوري الحر» على موقف «النهضة» بدرجة أولى، و«ائتلاف الكرامة» بدرجة أقلّ، ومن الصعب أن ينجح في غياب دعم الحركة في تحصيل الأصوات الضرورية (109) لنيل ثقة البرلمان. لكن ما الذي يمكنه فعله؟ تبدو «النهضة»، أو التيار المهيمن داخلها، منفتحة على عقد مساومات، وخصوصاً أن هاجسها الأكبر هو ضمان وجود لها في وزارات مفتاحية، على رأسها الداخلية، وتحجيم تأثير «التيار الديمقراطي» و«حركة الشعب» اللذين اتهماها سابقاً باختراق أجهزة الدولة وتسخيرها لخدمة مصالحها. في حال لم ينجح الفخفاخ في إقامة توازن بين الأحزاب التي يسعى إلى إشراكها في حكومته، لن يبقى خيار آخر غير إعادة الانتخابات. لكن أغلب الأحزاب ترى أن هذا الخيار أسوأ ما قد يحدث، إذ لا يُعرف كيف سيكون ردّ فعل الشارع في حال عقدت انتخابات سابقة لأوانها. كما أن قانون الانتخابات، الذي يقوم على قاعدة النسبية وفتح المجال لصالح الأحزاب الصغيرة، سيعيد إنتاج مشهد برلماني مشتّت.