مع خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، تحتاج البحرين، ودول الخليج الخمس الأخرى، إلى سند يعوّض الغياب البريطاني عن الاتحاد الذي أصبح يضمّ 27 دولة، بعد أن كان مؤلفاً من 28. الاختيار، بحرينياً، وَقَع على الجمهورية الإيطالية. ولهذا السبب تحديداً، حظيت الزيارة التي قام بها ولي العهد سلمان بن حمد إلى روما، مطلع شهر شباط/ فبراير الجاري، بتغطية موسعة في الصحافة المحلية. نُظّمت الزيارة بعد يومين من سريان اتفاقية «بريكست»، أي الخروج البريطاني من اتحاد القارة العجوز، وبدء المرحلة الانتقالية التي تستمرّ حتى نهاية كانون الأول/ ديسمبر المقبل، والتي تأمل في نهايتها كلّ من بروكسل ولندن في إيجاد اتفاق شامل ينظم العلاقة بين الطرفين. وتعتقد السلطات البحرينية أن ظهرها قد يكون مكشوفاً مع مغادرة لندن قاعات بروكسل، وأنها بحاجة إلى داعم «استراتيجي»، وليس بـ«نظام القطعة»، في ظلّ الأزمة المتفاقمة التي تعيشها البلاد منذ عام 2011، وفي الوقت الذي يمر فيه الجوار الخليجي بعواصف لا تهدأ.تقليدياً، يُنظر إلى لندن باعتبارها الداعم الأبرز للمنامة في التجمّع الأوروبي تجاه أيّ انتقادات تطال السياسات الداخلية الإقصائية تجاه المعارضة. والشواهد غنية على التأثير البريطاني في بوصلة الأوروبيين تجاه الخليج والبحرين. واعتادت لندن بذل جهد لمنع صدور بيانات مندّدة بالقمع في البحرين، أو تخفيف لهجتها، او تضمينها إشادات بالإجراءات الشكلية لحكومة المنامة. وبطبيعة الحال، يشمل ذلك منع تطوّر الموقف الدولي نحو إحالة الملف الحقوقي البحريني المتفاقم إلى نيويورك، وكذا منع وصول المقرّرين الحقوقيين الدوليين إلى المنامة، حتى بالنظر إلى افتقار المؤسسة الحقوقية الدولية لأسنان وأدوات تُفعّل مقرّراتها الاسترشادية، وكونها منبراً لبثّ الشكوى ليس إلا، لكن هذه الشكوى صارت شبه محجوبة، ولبريطانيا جهد وفير في هذا. وما يبقي الصوت البحريني الحقوقي فاعلاً: استمرار الانتهاكات، إلى جانب الخبرات التي اكتسبتها المؤسسات الحقوقية في طريقها الطويل من المناداة بالإصلاح السياسي. وفي أكثر المواقف البريطانية حدّة، هدّدت لندن المعارضة البحرينية بالعزلة إذا ما قاطعت الانتخابات النيابية في عام 2014. وبالفعل، منذ إعلان جمعيتَي «الوفاق» و«وعد» والجمعيات السياسية الأخرى مقاطعة تلك الانتخابات، اعتُقل زعيم المعارضة الشيخ علي سلمان، وأوقفت لندن الاتصالات مع المعارضة وقياديّيها، وشمل ذلك إلغاء التواصل مع المؤسسات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني المحسوبة على المعارضة. وتُقدّم لندن تدريباً للقضاة والمشرّعين والأجهزة الأمنية والمؤسسات «الحقوقية» التي شكّلتها البحرين ضمن استجابتها المدّعاة لتوصيات «تقرير بسيوني» (التقرير الذي كُتب من قِبَل قضاة دوليين مستقلين لفحص ما جرى من تعدّيات على المواطنين في عام 2011). ومن المؤكد أن حكومة المحافظين، بزعامة بوريس جونسون، سوف تستمر في توفير سند مطلق للإجراءات البحرينية العدائية ضدّ المعارضة، وقد يتضاعف هذا الدعم مع تطبيق «بريكست» وحاجة بريطانيا إلى الاستثمارات الخليجية، وتملّصها من أيّ التزامات أوروبية، فضفاضة وشكلية على أيّ حال، تجاه ملف حقوق الإنسان.
لكن استمرار الدعم البريطاني لا يلغي القول بأن إخلاء لندن مقعدها في بروكسل يخلق فراغاً بالنسبة إلى البحرين. وتعوّل المنامة على إيطاليا لسدّ هذا الفراغ، وقد خلصت زيارة ولي عهدها إلى توقيع اتفاقيات في مجال النفط والغاز والبتروكيماويات والألمنيوم، بلغت قيمتها 330 مليون يورو، فضلاً عن الاتفاق على «تعزيز الشراكات الدولية في المجالات العسكرية». ويعود اختيار البحرين لروما إلى أسباب شتى. فمن ناحية، لا يمكن تصوّر أن تلجأ المنامة إلى برلين، وذلك عائد إلى علاقات الأخيرة المشدودة مع الرياض أكثر منه إلى وجود معارضة بحرينية نشطة هناك، نشأت بعد عام 2011 وأبرز وجوهها الناشط الحقوقي يوسف المحافظة - وإن كانت تعاني من التشظّي كالعديد من المعارضات في دول أخرى -؛ إذ إن وجود معارضات نشطة على أراضيها لا يمنع الحكومات الغربية من المضيّ ضدّ شعاراتها الممجوجة عن دعم حق الشعوب في الشراكة السياسية، ولعلّ المثال الأبرز على ما تقدّم العاصمة البريطانية لندن، حيث للمعارضة البحرينية وجود راسخ. وربما يعود السبب في انتقاء روما، دون غيرها من العواصم الغربية، إلى كون ديمقراطيتها أقلّ رسوخاً مقارنة بباريس مثلاً، حيث التراث الحقوقي. وقد يصحّ هذا بشكل نسبي حتى بالنظر إلى المصلحة التي تطبع العلاقات الدولية لدول الغرب. أما الدول الإسكندنافية، فهي لا تشكل خياراً، ليس لكونها ترفع شعارات براقة في المجال الحقوقي، بل لكون تأثيرها الدولي محدوداً. لكن من المؤكد أن سبب اختيار روما هو كونها إحدى الدول الصناعية السبع الكبرى، ومن بين الدول الأربع الكبار في أوروبا إلى جانب بريطانيا وألمانيا وفرنسا، كما أنها في تنافس محموم مع شركائها الأوروبيين للظفر بمزيد من استثمارات البترودولار، والتي ليس من بين بنودها أيّ عظة تتّصل بالحريات. وصحيح أن إيطاليا ليست ضمن الدول التي تشكّل ما يسمى «التحالف الدولي لأمن الممرات البحرية»، الموجّه ضد طهران، والذي يضمّ في عضويته الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وألبانيا والسعودية والإمارات والبحرين، حيث مقرّ التحالف، لكن إيطاليا بلد راسخ العلاقة مع الاستبداد الخليجي، وحليف موثوق لواشنطن. لذا، التقى سلمان بن حمد، في إيطاليا، رئيس الوزراء جوزيبي كونتي ومسؤولين رفيعين آخرين، كما اجتمع وبابا الفاتيكان للترويج لما يُسمّى في البحرين مناخ «الحريات الدينية» التي تُكذّبها الوقائع، في ظلّ التضييق الشامل على الحالة الشيعية في البلاد.
اعتبرت إيطاليا الزيارة التي تضمّنت افتتاح سفارة بحرينية في روما، «قفزة نوعية في العديد من القطاعات ذات الاهتمام المشترك». وطالما لاحظت روما أن وجود سفارة إيطالية في البحرين، وعدم وجود نظيرة لها في روما أمر مخلّ. إذاً، واضح أنه يراد إبراز الطابع الاقتصادي، وتغييب الغاية الأساسية من توثيق العلاقات مع روما، أي شراء دعمها وتحويلها إلى صوت للبحرين في بروكسل، وقد كانت شبه صامتة كشقيقاتها الأوروبيات على ما يجري من اضطهاد سياسي لقوى المعارضة السلمية. وإزاء نشاط رسمي بحريني كبير في روما، مدعوم سعودياً وإماراتياً، يمكن توقع ازدياد النشاط المعارض. وفي صيف العام الماضي، نظّم لوبي بحريني، يحمل اسم «أمريكيون من اجل الديموقراطية وحقوق الإنسان في البحرين»، يتخذ من واشنطن مقراً له، فعالية في جامعة سابينزا في إيطاليا أثير فيها السؤال عن تنامي العلاقة بين روما والمنامة، وصلتها بالقضية الحقوقية، والهِبَة البحرينية بإنشاء «كرسي الملك حمد للحوار بين الأديان والتعايش السلمي» في الجامعة ذاتها.


مطالبات برلمانية إيطالية بالإفراج عن السجناء السياسيين
أثار عضوان بارزان في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الإيطالي، هما النائبان إيرازمو بالاتسوتو وليا كوارتابيل بروكوبيو، تزامناً مع زيارة ولي العهد البحريني سلمان بن عيسى آل خليفة إلى إيطاليا مطلع الأسبوع الجاري، الوضع الحقوقي في البحرين، من خلال توجيه أسئلة إلى وزير الخارجية لويجو دي مايو في هذا الشأن. وتناول النائبان في أسئلتهما انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، ولا سيما ضدّ النساء والسجناء السياسيين، مركّزَين بالتحديد على حالة القياديَّين المعارضَين حسن مشيمع وعبد الوهاب حسين. كما تناولا تدهور مستوى الحريات المدنية في البلاد، متطرقَين أيضاً إلى مشاركة البحرين في الحرب السعودية على اليمن، حيث تُواصل الحكومتان «قتل الأفراد» هناك. كذلك، أشار السيناتوران إلى عدم استجابة المنامة لقرار البرلمان الأوروبي الصادر في 14 حزيران/ يونيو 2018، والذي طالب «الحكومة بتعليق جميع عمليات الإعدام، والإفراج عن الناشطين السياسيين، ووقف استخدام المحاكم العسكرية للحكم على المدنيين».
(الأخبار)