تنقسم الآراء العراقية في شأن ما أُعلِن - في الساعات الماضية - عن موافقة بغداد على تولّي «الناتو» بعض الأنشطة التدريبية التي كان يتولّاها «التحالف الدولي لمحاربة داعش» (بقيادة واشنطن)، وذلك في أولى نتائج المباحثات القائمة بين العراق والولايات المتحدة حول مطلب انسحاب قوات الأخيرة من بلاد الرافدين. وبينما يرى البعض في الإعلان «التفافاً» على القرار البرلماني القاضي بجدولة انسحاب القوات الأجنبية المنتشرة على طول الخارطة العراقية، يقاربه آخرون بـ«إيجابية»، عادّين إياه خطوة أولى ستعقبها خطواتٌ أخرى «تحفظ ماء وجه الأميركيين... الرافضين لأي انسحاب مذلّ من البلاد». ومن هنا، هم يعتقدون بأن تعزيز دور بعثة «حلف شمال الأطلسي» بداية لـ«فكّ الارتباط» بالأميركيين. أصحاب الرأي الأول يتسلّحون بتصريح لمصدر دبلوماسي أوروبي لوكالة «فرانس برس»، أكد أن «نقل المسؤوليات إلى الناتو كان على الدوام مؤشّراً مسبقاً إلى فكّ ارتباط الولايات المتحدة بالعراق»، مستحضراً مَثَلَي «قوّة كفور» في كوسوفو، وبعثة «الدعم الحازم» في أفغانستان. لكنه شدّد - في الوقت عينه - على أن «هذا لا ينجح إلا إذا تضمنت البعثة عنصراً أميركياً قوياً». في هذا الإطار، لا يزال الغموض يلفّ عديد القوات التي سيتمّ نقلها من «التحالف» إلى «الناتو»، وتفاصيل مهامها، وهو ما يفترض أن يتّضح قريباً بحسب الأمين العام لـ«الناتو»، ينس ستولتنبرغ، الذي أوضح أن المهمة الموكلة للحلف هي «تدريب القوات العراقية ليصبح بإمكانها محاربة داعش، ومنعه من إعادة تنظيم صفوفه وتكثيف أنشطته في العراق». وكان القائد الأعلى لـ«الناتو» في أوروبا، الجنرال الأميركي تود وولترز، أعلن أن «الحلف سيستأنف في الأيام أو الأسابيع المقبلة أنشطته التدريبية للقوات العراقية»، والتي عُلّقت مطلع كانون الثاني/ يناير الماضي بعد اغتيال واشنطن نائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس، وقائد «قوة القدس» في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ورفاقهما.
في المقابل، يستند أصحاب الرأي الثاني إلى المساعي الأميركية في تعزيز بعثة «الناتو» ونقل مهمات «التحالف الدولي» إليها، ومطالبة واشنطن حلفاءها بتولّي مزيد من المسؤوليات في العراق. مساعٍ ومطالبات يرى فيها هؤلاء دليلاً على أن ثمة محاولة خداع أميركية، تستهدف تبديل جلد الاحتلال ليس إلا. لكن مصادر حكومية عراقية تقول إن الأميركيين يريدون أن يتخذوا من بعثة «الناتو»، التي تضمّ 500 عنصر بقيادة كندية، «ساتراً» لسحب قواتهم «القتالية» من العراق، حفاظاً على صورتهم. وسبق للأميركيين أن أبلغوا العراقيين بأنهم «ملتزمون بالانسحاب التدريجي، ولكن من دون تحديد سقف زمني لذلك»، وعليه فهم يعملون على صياغة حلول من هذا النوع، عبر قناة «الناتو»، وفق ما أفادت به سابقاً معلومات «الأخبار».
إزاء هذا التضارب، وفي ظلّ افتقاد المصادر الأمنية العراقية أجوبة واضحة، يُطرح السؤال حول موقف فصائل المقاومة التي كانت تعهّدت بسلوك سبلها الخاصة لطرد قوات الاحتلال الأميركي في حال فشل الجهود الدبلوماسية في ذلك. هنا، يبدو لافتاً ما قاله الأمين العام لـ«حركة النجباء»، أكرم الكعبي، أمس، من أن «الأوان حان لنبدأ العدّ التنازلي لساعة الصفر، والتي اقتربت كثيراً»، وإعلانه أن فصائل المقاومة باتت على «جهوزية هجومية، إذ أكملت إنجاز الجهوزية الدفاعية وستبدأ حرب الاستنزاف من طرف واحد».