يعقد الرئيس المكلّف محمد توفيق علّاوي لقاءات مكثّفة بمفاوضي الأحزاب والقوى السياسية لوضع «اللمسات النهائية» على الفريق الوزاري المرتقب، إذ رشّح أكثر من ستين وجهاً لتسنّم 22 حقيبة (يُرجّح أن يؤجّل تسمية مرشحي الداخلية والدفاع)، مانحاً المفاوضين «حريّة» الاختيار من «لائحة» صاغها بنفسه، ورافضاً أي تدخّل مباشر في إعدادها. منهج التأليف هذا قد يعقّد عمليّة منح الثقة تحت قبّة البرلمان، خاصّة أن خريطة «الحسابات» رهن الحسابات الشخصيّة لقادة الأحزاب والقوى. وحتى ساعة متأخرة من ليل أمس، لم تسفر تلك الاجتماعات عن نتائج «حاسمة»؛ هنا يمكن إيجاز «الخريطة» وفق هذه المسارات:1- «المكوّن الشيعي»: أطلق يد علّاوي مانحاً إيّاه حريّة اختيار المرشحين لتسنّم «الحقائب الشيعية». أعرب «تحالف الفتح» (ائتلافٌ نيابيٌّ يضم الكتل المؤيدة لـ«الحشد الشعبي») بزعامة هادي العامري، و«تحالف سائرون» المدعوم من زعيم «التيّار الصدري» مقتدى الصدر، دعماً «شبه مطلق» لعلّاوي. لكن زعيم «تحالف النصر»، حيدر العبادي، أبدى دعماً «مشروطاً»، فيما أبدى زعيم «تيّار الحكمة»، عمار الحكيم، موقفاً مماثلاً، إذ يفضّل تسنّم مرشّح آخر لهذا المنصب.
2- «المكوّن السُنّي»: زعيم «المشروع العربي» خميس الخنجر، ورئيس «حزب المسار المدني» مثنى السامرائي، و«الحزب الإسلامي» وزعيم «جبهة الإنقاذ والتنمية» أسامة النجيفي، أطلقوا أيضاً يد علّاوي، وأعربوا عن دعمه. أما المعارضون، فهم المنضوون تحت «راية» رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، وسط خلافات نشبت خلال الساعات الأخيرة بينهم، يُرجّح أن «تُضعف» موقف الحلبوسي.
3- «المكوّن الكردي»: مؤيدو علّاوي الرئيسيون هم «الاتحاد الوطني الكردستاني» (أبناء الراحل جلال طالباني) وحزب «الجيل الجديد» المعارض للثنائية الحاكمة في «إقليم كردستان». أما المحسوبون على «الحزب الديموقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني، فموقفهم حتى الآن أقرب إلى رفض تمرير «الكابينة».
يسعى الحلبوسي إلى تكريس نفسه زعيماً لـ«المكوّن السُنّي»


الانقسامات على مستوى «المكوّنات» مسحوبةٌ أيضاً على الائتلاف البرلمانيُّ الواحد؛ فزعيم «ائتلاف دولة القانون»، نوري المالكي، رغم تأكيده دعم علّاوي (بعيداً عن خلافه الشخصيّ معه)، فإن تصويت كتلته على «الثقة» ليس مضموناً. في «البناء» ثمّة من يقول ذلك، خاصّة أنّه وزعيم «القائمة الوطنيّة»، إياد علّاوي، يعملان بعيداً عن الأضواء على «تأمين دعم» متبادل، أي «تأمين ظهر الآخر، ومحاولة تقديم مرشّح وفق مقاساتهم»، حفاظاً على ما تبقّى «من وجودهم». حراكهم هذا منسّقٌ مع الحلبوسي وبارزاني، اللذين ربطا دعم علّاوي بثلاثة ملفات، يحمل كُلّ منها حساباً خاصّاً. أما الأخير، فمشتركٌ في مقاربة الرجلين للمشهد المحلّي:
1- «كرديّاً»: يربط بارزاني أي دعم لعلّاوي بتوافق «إقليم كردستان» والعراق في الشق المتعلّق بحصّة الأوّل من الموازنة الاتحادية، وتوابعها.
2- «سُنيّاً»: يسعى الحلبوسي إلى تكريس نفسه كزعيم للمكوّن: هو من يعقد الصفقات ويوزّع المغانم.
3- «فرملة» جهود الحكومة الاتحادية في تنفيذ القرار البرلماني القاضي بطرد القوات الأميركية من الأراضي العراقية، إذ يمنح بارزاني والحلبوسي الثقة لعلّاوي مقابل «إقفال» ملف طرد الاحتلال الأميركي أو «ترحيل» هذا النقاش إلى البرلمان المقبل.
هذا المشهد المعقّد يجعل تمرير علّاوي استحقاقاً جديّاً وتحديّاً لداعميه وتحديداً «البناء». فـ«التحالف» المتماسك نوعاً ما ظاهريّاً يعيش حالة من «التخبّط» في الرؤية والمقاربة، مع «تفرّد العامري بالكثير من القرارات، ورفضه إطلاع شركائه على مسار يسلكه». والبعض في «البناء» قد يرفض التصويت على «كابينة» علّاوي في ظل «القلق» الذي يراوده إزاء آلية إنتاج الحكومة العتيدة. ثمّة هنا من يحمّل العامري «مسؤولية تراكم الفشل في الأداء» منذ اغتيال نائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي»، أبو مهدي المهندس، وقائد «قوّة القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني، قاسم سليماني، ورفاقهما، مطلع العام الجاري. يومذاك، وفق مصادر مطّلعة، أبدى الأميركيون جاهزيتهم لقبول أي مرشح يقدّمه «حلفاء طهران» لتسنّم رئاسة الوزراء. لكن «الضياع» الذي خيّم على قادة «البناء»، وإصرار العامري المستمر على تأجيل الحسم «من دون عذر حقيقيّ» (بناءً على حساباته الشخصيّة) أضعفا موقف التكتّل، مع الرضوخ في مكان ما لضغوط الحلبوسي وبارزاني اللذين جيّرا هذا «الضياع» لمصلحتهما.
ثمّة أيضاً من يقول إن «بارزاني أقرب إلى المعسكر الأميركي وهذا ليس خافياً»، لكن «الصدمة» هي بالحلبوسي الذي تبوّأ منصبه بدعم من «البناء»، إذ فضّل «حصان واشنطن» مؤخّراً. برز ذلك مع انطلاق التظاهرات الأخيرة في 1 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، وبعد زيارة أجراها للعاصمة الأميركية واشنطن «بعيداً عن الأضواء» في كانون الأوّل/ ديسمبر، الماضي، وهو يرفض حتى الآن إطلاع أحد على فحواها، ومن التقى هناك.
هذه الضبابيّة هي ترجمة لمشهد يزداد تعقيداً في «ربع الساعة» الأخير؛ فـ«بورصة» المواقف رهن الحسابات الشخصية، خاصّة أن البعض يسعى عبر هذا الاستحقاق إلى تصفية حسابات وتحقيق مكاسب في ظل «صمت» يصفه كثيرون بـ«المريب» لـ«المرجعية الديينة العليا» (آية الله علي السيستاني) إزاء آلية التأليف، عكس «الدور الخفي» الذي لعبته إبّان تأليف عادل عبد المهدي حكومته. وفي المعلومات، أرسل علّاوي، في اليومين الماضيين، «ظرفاً» إلى المتولّي الشرعي للعتبة العباسية، أحمد الصافي، يحتوي على أسماء المرشحين للحقائب الـ22. رُدّ الظرف إلى علّاوي من دون «فتحه»، ما عُدّ إشارةً إلى أن النجف «غير معنيّة» بهذا الأمر، وأنّها لا تتدخّل في هذه التفاصيل.
إذاً، ستكشف الساعات المقبلة آلية توزيع الحقائب والأسماء المرشحة لتسنّمها، لتُحسم بذلك مواقف الكتل ومصير عبد المهدي وعلّاوي على حدٍّ سواء.