غزة | أنقذ الوسيطان المصري والأممي بنيامين نتنياهو من جولة تصعيد نفذتها المقاومة الفلسطينية بدقة وأداء أفضل عن المواجهة التي سبقتها في نهاية 2019، وكانت تنوي أن تمدّها حتى الانتخابات الإسرائيلية، إلى حدّ خرج فيه الإعلام العبري وقال إنه أمام أيام على الانتخابات نتنياهو «يصلي» كي لا تسقطه غزة في استطلاعات الرأي. وبعد شائعات حول موعد التهدئة، الهشّة حكماً، انتهى القصف عند الساعة 11.30 قبيل منتصف الليل.بعد يومين من المواجهة والقصف المتبادل بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي، رسّخت الأولى معادلة جديدة في قواعد الاشتباك ترفض فيها أي اعتداء على غزة، بغض النظر عن الواقع السياسي والوساطات والتحسينات الاقتصادية، إضافة إلى تأكيدها قاعدة «القصف بالقصف». فمنذ بداية الرد على التنكيل بالشهيد محمد الناعم، استطاعت المقاومة تجاوز المحاولات الإسرائيلية للاستفراد بـ«سرايا القدس»، الذراع العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامي»، وبث دعاية تمّ تجريبها في جولات سابقة عن انكفاء الفصائل و«حماس» عن المشاركة، وأن إسرائيل تقصف أهداف «الجهاد» وحدها. لكن المقاومة هذه المرة أخذت وقتها وتشاورت ونسقت الرد ليكون أولاً من دون إعلان، ثم بتبنّي «الجهاد»، تتبعها قوى أخرى. ثم ردّت «حماس» بوضوح أمس بعدما زاد منسوب تهديدات العدو، بالقول إن ما قامت به المقاومة يأتي ضمن «استراتيجية الفهم الموحد لدى الفصائل بأن الدم الفلسطيني خط أحمر، وأن تهديدات العدو بتوسيع العدوان ستواجه بمقاومة لم يعهدها من قبل، ولن يتحمل ثمنها ونتائجها»، فيما أكدت «الجهاد» أن «أي فعل مقاوم في أي وقت وأي مكان وتحت أي ظرف أو تعقيد سياسي هو فعل مشروع ويحظى بإسناد شعبي وإجماع مقاوم».
بدا واضحاً خلال هذه المواجهة التطورُ الكبير في قدرات الوحدة الصاروخية للسرايا التي نجحت في إطلاق عشرات الصواريخ على الأراضي المحتلة من دون أن يستطيع الاحتلال استهداف أي من عناصرها، خلافاً للمواجهة السابقة التي استشهد فيها 15 من عناصرها، في وقت كشفت فيه مصادر في الحركة أنه حتى المجموعة التي قصفها الاحتلال أول من أمس وأصيب اثنان منها هي من «المرابطين» وليست من «الوحدة الصاروخية». وضمن تكتيكات تشمل رشقات كثيفة في وقت قصير، وبالتزامن مع مواعيد الأذان، تواصل أمس إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون تجاه مستوطنات «غلاف غزة» ومدينة عسقلان، رداً على جريمة التنكيل شرق خانيونس ومن ثم الاستهداف لمقر يتبع لـ«الجهاد» في العاصمة السورية دمشق نتج عنه استشهاد كادرين في الحركة دُفنا أمس، بعدما شُيّعا من مخيم اليرموك.
منذ الصباح هدّد نتنياهو بالحرب خمس مرات وبينت ثلاث مرات


في المحصلة، اعترف العدو بأن أكثر من ستين صاروخاً أُطلقت حتى الخامسة مساءً (على الأقل)، زاعماً أن «القبة الحديدية» اعترضت 90% منها. لكن مصادر إعلامية عبرية أفادت بوقوع إصابات في عدد من المنازل في المستوطنات، إضافة إلى سقوط صاروخ من نوع «بدر» المطوّر، على مصنع في المنطقة الصناعية بعسقلان، ما تسبّب في أضرار واسعة، كما سقط أحد الصواريخ على سكة الحديد التي تربط مستوطنة «سيديروت» بعسقلان. وأطلقت «سرايا القدس» اسم «بأس الصادقين» على عملية الرد، وكان لافتاً أنها أعلنت انتهاء الرد قبيل السابعة مساءً، لكن ما إن واصل الاحتلال غاراته الجوية، حتى أكملت السرايا الرد، قائلة إنه «قد أعلنا إنهاء ردنا على جريمتي الاغتيال في خانيونس ودمشق، لكن العدو لم يلتزم وقصف مواقعنا ومقاتلينا، لذلك نعلن أننا قمنا بالرد تأكيداً على معادلة القصف بالقصف»، وذلك قبيل أن تُثبّت التهدئة في تمام الـ11.30.
في المقابل، تجاوز عدد غارات العدو خمسين غارة، استهدفت بها مواقع للمقاومة من دون أن يؤدي ذلك إلى إصابات أو شهداء، كما استهدف مجموعتين للمقاومة وسط القطاع وشماله، ما أدى إلى إصابة مواطن واحد كان يستقل دراجته النارية شمالاً. وقبل دقائق من دخول التهدئة حيز التنفيذ، سقطت بقايا من صاروخ لـ«القبة الحديدية» على منزل شرق الشجاعية، ما أدى إلى إصابة 13 فلسطينياً بجراح مختلفة. بالتوازي، أعلنت «كتائب المقاومة الوطنية»، الجناح العسكري لـ«الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» مسؤوليتها عن «اشتباك مسلح» بين عناصرها وجنود العدو قرب موقع «إيرز» شمال القطاع، قائلة إن مقاوميها أصابوا الموقع بقذيفة «آر بي جي» مباشرة، ومضيفة: «بعد انسحاب المجموعة جرى إطلاق عدد من قذائف الهاون على الموقع، وأصيب أحد عناصرنا أثناء الانسحاب».
طوال اليومين الماضيين، تقول مصادر مطلعة إن الجهود الأممية والمصرية أخفقت لمرات في تحقيق التهدئة نتيجة رفض الاحتلال وقف العدوان وإصرار المقاومة على أن تكون لها «اليد العليا والأخيرة» في المعركة. وشدّد المتحدث باسم «الجهاد»، مصعب البريم، أمس، على أنه «لا تهدئة العاشرة مساء كما يتحدث بعض وسائل الإعلام،» لأن «التهدئة ستكون عندما يتوقف الاحتلال بشكل كامل عن عدوانه على شعبنا». وللضغط أكثر، أعلن الاحتلال جملة «عقوبات» ضد غزة تحت مسمى «الإغلاق الشامل» بدأها منذ الصباح بإغلاق حاجز «بيت حانون ـــ إيرز»، ومنع زيارة أهالي أسرى غزة، إضافة إلى إيقاف تصاريح التجار، ثم اختتمها في المساء بإعلان إغلاق بري وبحري يشمل المنفذ التجاري الوحيد «كرم أبو سالم»، باستثناء إدخال الأدوية والمعدات الطبية والوقود، كما أغلق بحر غزة أمام الصيادين حتى إشعار آخر.
وكان مستوى التهديدات الإسرائيلية قد وصل إلى ذروته أمس، بعدما حذّر رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، بالذهاب إلى حرب، خمس مرات في تصريحات مختلفة منذ الصباح، كما هدّد بذلك وزير الأمن، نفتالي بينت، في ثلاثة تصريحات. نتنياهو لوّح بتفعيل ما سماها «الخطة الجديدة للحرب» في القطاع في حال استمر التصعيد، إضافة إلى توسيع العدوان ليشمل «حماس» واغتيال قادة المقاومة، مضيفاً: «إذا لم يكن هناك مفر من عملية عسكرية... فإسرائيل جاهزة لذلك. حملة عسكرية مختلفة كلياً عمّا عرفناه إلى الآن. الحرب على غزة ستكبّدنا ثمناً باهظاً».
إلى ذلك، وفي الوقت الذي كانت فيه غزة تتعرض لعدوان، استقبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس «لجنة التواصل الفلسطينية مع المجتمع الإسرائيلي» التي تعرضت لانتقادات واسعة أخيراً بسبب عقدها زيارات واستقبالات لإسرائيليين، مؤكداً أن ما «تقوم به اللجنة عمل وطني لإيصال الصوت الفلسطيني إلى المجتمع الإسرائيلي»، ورافضاً استقالة رئيس اللجنة محمد المدني.