بغداد | رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي «باقٍ في منصبه»، و«ما من مؤشّر على قُرب ترشيح بديل منه في المدى المنظور»، هكذا يعلّق أكثر من مصدر سياسي مطّلع على «رسالة» عبد المهدي أمس إلى رئيسَي الجمهورية والبرلمان. موقف رئيس الوزراء كان مُنتظراً لفهم مسار إدارة الأزمة السياسيّة في المرحلة المقبلة، إثر اعتذار محمد توفيق علّاوي قبل يومين، ورفض فئة واسعة من الأطراف إسناد إدارة البلاد إلى رئيس الجمهورية، برهم صالح. ويعكس قرار عبد المهدي، تمسّك «البيت الشيعي» بمنصب رئاسة الوزراء، ورفض أي حراك من شأنه «الاصطياد» في مياهه، وفي هذا إشارة واضحة إلى أن القوى «الشيعية» لن تتفاعل إيجاباً مع حراك صالح لتسمية بديل من عبد المهدي في الأسابيع المقبلة، رغم «تسريبات» المقرّبين منه. هكذا، قلب عبد المهدي الطاولة على الجميع، مع تحديده موعداً أوّليّاً لإجراء الانتخابات التشريعية المبكرة. وفي رسالته، دعا البرلمان إلى جلسة استثنائية لحسم قانون الانتخابات والدوائر الانتخابية و«المفوضية العليا المستقلّة للانتخابات» نهائياً، مقترحاً إجراء الانتخابات المبكرة الجمعة (4 كانون الأوّل/ ديسمبر المقبل)، على أن يحلّ البرلمان نفسه قبل 60 يوماً من التاريخ المذكور. كذلك، كشف عبد المهدي، بعد التشاور مع دستوريين وقانونيين، عن قرار اتخذه هو «اللجوء إلى الغياب الطوعي»، ملوّحاً بإمكانيّة اللجوء لاحقاً إلى «خلوّ المنصب وفق المادة 81 من الدستور، إن لم تصل القوى السياسية والسلطات التشريعية والتنفيذية إلى سياقات تخرج البلاد من أزمتها الراهنة، وفق المادة 76»، أي تكليف وجه جديد لتشكيل الحكومة الاتحادية. وعليه، طوال الفترة المقبلة، سيُكلّف أحد نوّاب رئيس الوزراء أو الوزراء مسؤولية إدارة الجلسات وتصريف الأمور اليوميّة، على أن يقوم مدير مكتب رئيس الوزراء والأمين العام لمجلس الوزراء والسكرتير الشخصي للقائد العام للقوات المسلحة بإبلاغه بـ«الأمور الحصريّة العاجلة والضرورية الملاصقة لعنوانه ليتم التعامل معها بما يتوافق مع صلاحيات حكومة تصريف الأمور اليومية».دستوريّاً، ثمة رأيٌ حول «تنصّل» رئيس الوزراء المستقيل من مهامه. يقول الخبير القانوني مصدّق عادل لـ«الأخبار»، إن «الوظيفة العامة تعدّ واجباً وطنيّاً، ووظيفة اجتماعية يستهدف القائم بها تحقيق المصلحة العامة وفقاً لقانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام الرقم 14 لعام 1994»، مضيفاً: «الدستور لم يجز لرئيس الوزراء المستقيل أن يُحدّد موعداً زمنيّاً لانتهاء مهامه، لأن عملية تشكيل الوزارة تعدّ عملاً دستوريّاً يتكوّن من عمليات عدّة». وعليه، «ما من غطاء دستوري أو قانوني لتنصّل رئيس الوزراء المستقيل، لحين اكتمال الكابينة الوزارية الجديدة، أو تكليف نائب رئيس الوزراء مهامه». ويتابع عادل: «بخلاف ذلك، بالإمكان مساءلة عبد المهدي وفق المادة 329 أو 364 من قانون العقوبات الرقم 111، لسنة 1969»، فـ«الاستمرار من عدمه لا يخضع للمزاج الشخصي».
وفق رأي قانوني الاستمرار في المنصب «لا يخضع للمزاج الشخصي»


إذاً، ثمّة من يقول إن قرار «الغياب الطوعي» غير دستوري، وعلى الرجل التصدّي لمهامه في ظل الظروف المعقّدة التي تمرّ بها البلاد. ثمة من ينقل عن الرئيس المستقيل أن فئات واسعة من الأحزاب والقوى حاولت «ثنيه» عن قراره، لكن إصراره على المضي به مردّه إلى «قناعة» السبعيني بضرورة «معاقبة» بعض الأطراف التي لعبت طوال الفترة الماضية على التناقضات المحليّة والإقليميّة، منذ 1 تشرين الأوّل/ أكتوبر حتى الأمس القريب. هنا، يذكر هؤلاء أن طيفاً واسعاً ممن دعم علّاوي لتأليف الحكومة تواصل سرّاً مع عبد المهدي بحجّة «عجز المكلّف عن أداء مهمته، وعلى المستقيل العودة لضبط المشهد السياسي». وحتى ساعة متأخرة من ليل أمس، لم يصدر أي تعليق «علني» على رسالة الرجل من أي طرف، فيما رمى الكرة في ملعب البرلمان، مبدياً التزامه توجهات «المرجعيّة الدينيّة العليا» (آية الله علي السيستاني) من إعلانه الاستقالة إلى تحديد موعدٍ لانتخابات مبكرة. وعلى البرلمان اليوم إنهاء «الملاحق» الخاصّة بالقانون الانتخابي والمتعلّقة بتحديد الدوائر الانتخابيّة وآلية احتساب الأصوات، وغيرها من التفاصيل التي لم تحسم. لكن بقاء عبد المهدي في منصبه، بمعزل عن حضوره في مكتبه أو لا، يحظى بتأييد «الحزب الديموقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود برزاني، الرافض لأي خطوة تعزز حضور صالح في العمليّة السياسية. أما القوى «السُنّية»، فلا ترى في رئيس الجمهورية بعد تكليفه علّاوي «المستفزّ» شخصيّة من شأنها «حماية النسيج الوطني». والقوى «الشيعية»، على اختلافها (وحتى من يغازل صالح في العلن)، ترفض «تكريس عادة» إدارة البلاد من شخصيّة خارج بيتها الطائفي.
مشهدٌ يُنبئ بأن حراك صالح لتكليف بديل لن يكون سهلاً، رغم تسريب مقربين عنه أسماء عدّة جرى «تداولها» في لقاءاته أمس. وتشير مصادر رئيس الجمهورية إلى وجود خمسة مرشحين حتى الآن: محافظ البصرة أسعد العيداني، المسؤول في القصر الجمهوري نعيم السهيل ووزير التعليم في حكومة عبد المهدي، قصي السهيل. هؤلاء الثلاثة يحظون بدعم نوري المالكي وهادي العامري وفالح الفيّاض، وقادة القوى المؤيّدة لـ«الحشد الشعبي». كذلك ثمة من يدعم رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي، والقيادي في «تحالف سائرون» المدعوم من زعيم «التيّار الصدري» مقتدى الصدر، قحطان الجبوري، لتسنّم المنصب. وهذان يحظيان بدعم الصدر وعمار الحكيم وحيدر العبادي، لكن مصادر في «التيّار الصدري»، تؤكّد أنّه «حتى الآن لم نناقش أي مرشح، ولم ندعم أحداً بعينه».