وعلمت «الأخبار» من مصادر متابعة للملف أن التهم كثيرة ومتنوّعة، لكنها توصف في بعض حالاتها بـ«المضحك المبكي»، لما تتضمنه من مراجعة المعتقلين حول الأضاحي التي قدمتها مؤسساتهم إلى قطاع غزة رغم معرفة السلطات السعودية بها. وقصرت السلطات حضور الدرجة الأولى في المحاكمة على أقاربهم في ظل جلسات سرية. كما أنها سلّمت لوائح الاتهام للمعتقلين من دون السماح لمحاميهم بالنظر إليها قبل ذلك. وتبعاً للمصادر، لم تنجح الجهود الأممية التي بذلها مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، وأطراف أخرى، في الإفراج عن المعتقلين أو تجنيبهم المحاكمة التي قد تصل إلى السجن 15 عاماً بتهمة «تمويل الإرهاب». أما «حماس»، فرغم أن رئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية، أقرّ في مقابلات تلفزيونية أخيرة، بأن العلاقة مع السعودية «تغيّرت» بعدما اعتقلت عدداً ممن يقدمون التمويل إلى الحركة، لا تزال الأخيرة تلتزم الصمت قدر الإمكان حيال المحاكمة على قاعدة منع توتير الأجواء تسهيلاً لعمل الوساطات.
ممثل «حماس» السابق في المملكة صديق مقرّب من ابن نايف
يبدو أن الرياض اعتمدت هذا التوقيت للمحاكمات ضمن ظروف داخلية في المملكة تتعلق بحملة الاعتقالات الأخيرة لعدد من الأمراء، إذ تطغى هذه القضية على غيرها الآن، كما أنها تتزامن مع الزيارات التي يجريها هنية إلى عدد من الدول، خاصة أن الموقف من الرجل تفجّر على صورة هجوم شخصي عليه، فضلاً عن مهاجمة الحركة، من لحظة مشاركته في تشييع جثمان الشهيد قاسم سليماني في العاصمة الإيرانية طهران. وتقول المصادر نفسها إن السلطات السعودية طلبت من «حماس» تخفيف العلاقة مع إيران أكثر من مرة خلال السنة الماضية من دون أن تقدم أي تعهد بوقف حملة الاعتقالات أو الإفراج عن المعتقلين، وذلك على صيغة «لي ذراع» الحركة التي تنبهت إلى أن رضوخها في هذه القضية يعني إمكانية الضغط عليها في قضايا أخرى مثل قبول «صفقة القرن».
المحاكمات أثارت ردود فعل فصائلية فلسطينية غاضبة، إذ عبّرت «الجهاد الإسلامي» في استنكارها، واصفة ما يحدث بـ«سابقة خطيرة من النظام السعودي تجاه الداعمين للقضية». وقال القيادي في الحركة أحمد المدلل، في تصريح صحافي أمس، إن «المحاكمات تأتي في سياق المؤامرات التي تحاك ضد القضية لمنع النهوض بمشروع عربي وإسلامي نهضوي يواجه المؤامرة الصهيو-أميركية التي تستهدف القضية وتجزئة الأمة وسرقة مقدراتها». كذلك، قالت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، على لسان عضو اللجنة المركزية فيها ماهر مزهر، إنّ «هذه المحاكمات جزء من سياسات ظالمة ينتهجها محمد بن سلمان ضمن دور الرجعية في تصفية القضية ودعم الكيان وتمرير الصفقات المشبوهة»، مضيفاً: «الاعتقالات لن توفر الأمن ولا الحماية لابن سلمان، وستأتي اللحظة التي تحاسبه فيها الجماهير الفلسطينية».
سنوات عجاف من العلاقة
بدأت القطيعة السياسية بين «حماس» والسعودية عقب اتهام الأخيرة للحركة بتخريب «اتفاق مكة» عام 2006، لكن العلاقة بقيت ضمن هذا الحدّ حتى بدأت الاعتقالات والتضييق المالي الذي وصل إلى حد المنع التام للتحويلات أو جمع الأموال في المملكة لمصلحة غزة عموماً و«حماس» خصوصاً. مع تولي سلمان الحكم عام 2015، استبشرت الحركة بسبب وقع دوره السابق في دعم «صندوق الأقصى» ورعاية مشاريع لها علاقة بفلسطين عند توليه إمارة الرياض سابقاً. كما أنه وافق للمرة الأولى منذ القطيعة على أن تزور قيادات «حماس» السعودية وتجري مراسم الحج، ثم سمح لهم بزيارته في مقر إقامته في مكة واستقبلهم بنفسه. آنذاك أفرجت الرياض عن مجموعة من المعتقلين بينهم ماهر صلاح، مسؤول الحركة في الخارج حالياً، بعدما اعتقل لسنوات. أيضاً أبدى محمد بن سلمان، الذي كان ولياً لولي العهد، موافقته على عقد لقاء يجمع الطرفين بعد شهر من لقاء الحركة ووالده، لكن الصورة انقلبت وبدأت حملة تشويه وتشهير سعودية بحق «حماس»، انتهت بإدراجها على «قوائم الإرهاب». ووضعت المملكة علاقة الدوحة مع الحركة كسبب أساسي في هذا الانقلاب، مشترطة على «حماس» مغادرة العاصمة الدوحة، فاضطر قياديون في الحركة إلى المغادرة بينهم نائب رئيس المكتب السياسي، صالح العاروري.