الأول من تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019، والثالث من كانون الثاني/ يناير 2020، تاريخان يُدوَّنان في الذاكرة العراقيّة الحديثة كـ«منعطفٍ» مؤسّس لمرحلةٍ جديدة، يفرض على القوى المحلية والإقليمية والدوليّة جدول أعمالٍ مختلفاً في مقاربة الأزمات المستفحلة في المشهد العراقي. ثمة إجماعٌ على أنّ الأيام المقبلة لن «تحمل انفراجاتٍ يعوّل عليها»، ذلك أن «التحديات بالجملة»، على حدّ تعبير مصدرٍ سياسيٍّ مطّلع. أما الأسابيع والأشهر المقبلة فستكون «صعبةً جدّاً» على الرئيسَين، المستقيل والمكلّف. تحدياتٌ سياسية وأمنية واقتصادية وصحية، تفرض على الحكومة الاتحادية، بالتعاون مع القوى المحلية، البحث عن آليات وسبل مواجهتها.صحّياً، ومع تفشّي فيروس «كورونا» والحديث عن إصابة 1500 مواطن به، في ظلّ ارتفاعٍ «بطيء» في عدد الوفيّات (9 أشخاص حتى الآن)، ثمّة تخوّف جدّي من عجز الدولة عن النجاح في مواجهته؛ فلا البنية التحتية الصحية مؤهّلة لذلك، ولا الوعي المجتمعي قادر على المساعدة في الحدّ من انتشار الوباء.
اقتصادياً، ترخي «حرب أسعار» النفط بظلالها على «بلاد الرافدين». يبدو أنّ أزمة اقتصادية قاسية ستعصف بالبلاد، المعتمِدة أساساً على الإيرادات النفطية، واحتساب موازنتها بناءً على سعر مضاعفٍ عن سعر السوق الحالي. ومع افتقاد الحكومات المتعاقبة، منذ عام 2003، رؤيةً من شأنها تطوير اقتصاد العراق، ثمّة من يحذّر من تفاقم المشكلة القائمة. «لغمٌ» صحّي ــــ اقتصادي سيفجّره الشارع المنتفض في وجه الحكومة الاتحادية، وسيفاقم، في الوقت عينه، من هشاشة الوضع السياسي ــــ الأمني، نظراً إلى التطوّرات المتسارعة والمتلاحقة.
أمنيّاً، ومنذ اغتيال أبو مهدي المهندس والجنرال قاسم سليماني، دخلت المنطقة في حرب استنزافٍ ضد قوات الاحتلال الأميركي، بهدف «كنسِها» من منطقة غرب آسيا. في هذه الأثناء، أبصر تنظيمٌ جديدٌ النور ليتبنّى هجمات «مؤلمةٍ» ضد تلك القوات، متوعّداً بأن تسفر، في نهاية المطاف، عن انسحابها من العراق. وفيما تراقب القيادة الأمنية والسياسية التطوّرات، بكثير من الغضب والاستياء، من دون أن تنفي عجزها عن ضبط الساحة، ثمة من يقول إن ما يجري «ردُّ فعلٍ على سوء إدارة الصراع (الإيراني ــــ الأميركي) عراقياً وإقليمياً ودولياً». يؤكّد هؤلاء أن سليماني «كان أبرز خطوط التوازن، وباغتياله انهارت... وهذا ما يستفز البعض»، كما يعتقدون بأنّ «الحلّ بالقوّة وليس الحوار». كذلك، يرى هؤلاء أنّ «الأمور في تصاعدٍ خطير»، بينما يفرض خلاص العراق إيجاد حوارٍ بين المعسكرَين المتنازعّين، على اعتبار أن «لا سياسية التحدّي تنفع، ولا سياسية رعاة البقر تفيد».
في المقابل، ثمّة من يلوم الحكومة على عجزها عن إلزام واشنطن بجدولة انسحابها من البلاد، وعليه لم يعد «الحوار» يُجدي نفعاً، لتبقى «لغة النار هي الأنجع»، لمعالجة هذا الانتهاك السيادي، المقرون بتنشيط تنظيم «داعش» لخلاياه النائمة في المحافظات الشمالية والغربيّة.
سياسيّاً، وفي ظل المراوحة القائمة والمحاولات المستمرّة لإيجاد بديلٍ من عادل عبد المهدي، لتكليفه، يبرز سؤالٌ عن قدرة «المكلَّف» على تأليف حكومته، وتحذيرٌ من تكرار سيناريو محمد توفيق علّاوي. ثمّة من يتخوّف من تفاقم الأزمة السياسية المستمرّة منذ الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، وتفاعلها مع الأزمات والتحديات الأخرى، فتنقل البلاد من أزمةٍ سياسيّة إلى أزمةٍ تطال بنية دولة مهزوزة الأركان أصلاً.