تونس | لم يخف وزير الاقتصاد والمالية في الحكومة التونسية حكيم حمودة صعوبة الوضع الاقتصادي لبلاده المنذر بالخطر إن لم تتلق تونس مساعدات عاجلة تمكّنها من تجاوز هذا المأزق المالي الذي توقّع أن يتواصل إلى العام المقبل.
حكيم حمودة، الخبير الاقتصادي لدى عدد من المنظمات المالية العالمية والإقليمية وآخرها البنك الأفريقي، هو من الأربعة وزراء الأساسيين في حكومة مهدي جمعة مع وزراء الداخلية والأمن والدفاع. فهو يقود خمس وزارات في الوقت نفسه تم دمجها في إطار حكومة التكنوقراط المطالبة بإنقاذ البلاد. والوزارات التي يقودها حمودة هي الاقتصاد والمالية والتعاون الدولي وأملاك الدولة والتنمية الجهوية.
وقبل أن يرافق رئيس الحكومة في الجولة الخليجية التي لا تزال متواصلة منذ السبت الماضي، كشف حمودة لـ«الأخبار» عن دقة الوضع المالي الذي «كان نتيجة سياسة اقتصادية خاطئة أسّست لثقافة الاستهلاك عوضاً عن ثقافة الإنتاج التي أسّست لها الثورة، إذ بعد ١٤ يناير ٢٠١١ تراجع الإقبال على العمل مقابل ارتفاع منسوب الاحتجاجات الاجتماعية والإضرابات والمطالبة بالترفيع في الأجور وعدد من الامتيازات أو الحقوق التي حرم منها الموظفون في السابق».
وأكد حمودة أن «هذه المطالب في أغلبها مشروعة بسبب تدهور الوضع الاجتماعي وارتفاع الأسعار وانهيار الطبقة الوسطى، لكن الدولة غير قادرة على الاستجابة لكل هذه الطلبات، ما نتج منها ارتفاع في الكلفة مع الهشاشة الأمنية وتراجع السياحة التي تمثل العمود الفقري للاقتصاد التونسي». وكشف أن «تونس تحتاج إلى ٢ مليون يورو ونصف المليون لإنقاذ السنة المالية الحالية»، موضحاً أن «تونس لن تنجح في تجاوز هذه الأزمة الخانقة قبل عام على الأقل، شرط توافر مجموعة من الشروط، من بينها العودة إلى العمل والقطع مع ثقافة الإضرابات والاعتصامات وتعطيل سير العمل في القطاعات الحيوية مثل النفط والفوسفات والاسمنت».
وزير المالية لا يخفي تفاؤله بالقدرة على إنقاذ البلاد، على الرغم من صعوبة الوضع المالي. ولفت حمودة إلى أن «من بين مشاريع الحكومة لإنعاش الاقتصاد تعبئة الموارد المالية للدولة عبر الترفيع في نسق استرجاع المال العام، وخاصة الضرائب وبيع المؤسسات المصادرة ودمج الأموال المصادرة في المالية العمومية مع التعويل على الترفيع في نسق إنتاج الفوسفات والنفط والنجاح في التهدئة الاجتماعية وتحسن الوضع الأمني لإنقاذ الموسم السياحي مع الضغط على المصاريف العمومية».
هذه الإجراءات يعتبرها حكيم حمودة عاجلة ولا يمكن تأجيلها، لكن هناك إصلاحات هيكلية لا بد منها، وذلك بالتأسيس لسياسة اقتصادية جديدة ستتم مناقشتها في مؤتمر وطني للاقتصاد ستدعو له الحكومة قريباً، داعياً الأحزاب والمنظمات الوطنية والاجتماعية إلى الاتفاق على تصور موحد لإنقاذ الاقتصاد. وأكد حمودة «أن الحكومة تسعى إلى التعاطي مع الأزمة بمنظور أشمل وإطار يأخذ بعين الاعتبار مطالب الفئات والمناطق المهمشة التي تنتظر منذ ثلاث سنوات أن تبدأ فعلياً مشاريع التنمية، وخاصة التشغيل الذي يبقى المطلب الأساسي لآلاف الشبان التونسيين ولعائلات تنتظر أن تتغير حياتها نحو الأفضل».
وبيّن حمودة أن «الحكومة واعية للتحديات المطروحة عليها، وخاصة ضرورة التفكير الجدي في الطبقة الفقيرة التي لم تر شيئاً إلى حدّ الآن تقريباً من ثمار الثورة»، مؤكداً أن الإصلاحات الاقتصادية ستراعي طلبات هذه الفئة.
حمودة أقرّ بأن الأزمة الاقتصادية أدت إلى تآكل الطبقة الوسطى التي تراجعت، ولا بد من حمايتها وإنعاشها، كما أعرب عن أمله بالنجاح في خلق صناعات جديدة تمكّن من استيعاب العاطلين من العمل من متخرّجي الجامعات، لأن الوظيفة العمومية غير قادرة وحدها على استيعاب العدد المتزايد منهم.
هذه المشاغل التي يحملها وزير الاقتصاد والمالية في حكومة جمعة ليست شأناً شخصياً ولا حكومياً فقط، بل هي هاجس كل التونسيين الذين يعوّلون على نجاح حكومة التكنوقراط في إنقاذ البلاد من شفير الهاوية بعد عامين من حكم الإسلاميين ومن حكومتين خربتا كل المنجزات التي تحققت لتونس بعد ستين عاماً من الاستقلال تحت شعار «التطهير» الذي لم ير التونسيون شيئاً من نتائجه إلا الإرهاب الذي تغلغل في البلاد وكان وراء تدمير السياحة المورد الاول للاقتصاد التونسي. فهل تنجح حكومة جمعة في أن تحيي الأمل في التونسيين؟
إن الجولة الخليجية تبقى من بين عناصر الأمل الكبرى التي تعوّل عليها حكومة التكنوقراط لضخ منح ومساعدات وقروض جديدة تمكّن الحكومة من تجاوز مرحلة الخطر، إذ إن رواتب شهر نيسان القادم بالنسبة إلى موظفي الدولة غير مضمونة لحد الآن، وهو ما سيترتب عليه احتقان اجتماعي لم تعد البلاد قادرة على مواجهته مع تواصل تحدي المجموعات الإرهابية.