سوريا: آذار رابع... ولا ربيع | منذ بدء الأزمة السورية، قيل الكثير عن الدور القطري والسعودي والتركي، في دعم المعارضة السورية والمجموعات المسلحة. فيما بقي الدور الكويتي بعيداً عن الأضواء، رغم أنه فاعل ومؤثر. يختلف هذا الدور عن الأدوار المذكوة أعلاه من الناحية الشكلية. إذ لم تتبنّه الأسرة الحاكمة علانية، لكنها لم تحاول الحدّ منه.
رغم أنه مورس ويُمارس بشكل علني، ويتولّى «دور البطولة» فيه، في الدرجة الأولى، نوّاب في مجلس الأمة (سابقون وحاليون)، ومشايخ سلفيون. وينشط في اتجاهات عدة، أبرزها التمويل، وتصدير «المجاهدين». كما كان فاعلاً في تشكيل بعض «الغرف العسكرية» وتوجيه سير بعض المعارك. وأكثر من ذلك؛ في إعطاء أوامر مباشرة لارتكاب مجازر، والمباهاة بها.


«مجزرة حطلة»: صُنع في الكويت

في حزيران الماضي، كانت قرية حطلة، في ريف دير الزور، على موعدٍ مع مجزرة طالت 60 ضحيّة (وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض). ذُبح هؤلاء بسكاكين كويتية، ولأسباب مذهبية بحتة. وكما تفاخرت «جبهة النصرة» حينها بـ«تطهير حطلة من الشيعة»، خرج «الشيخ» الكويتي شافي العجمي ليتفاخر بـ«نحر الشيعة بالسكاكين». وسط صيحات التهليل والتكبير، لتتولى وسائل إعلام سعودية وقطرية وكويتية الاحتفاء بالحدث على طريقتها. وحين سألته «وكالة أنباء آسيا» بعدها بأيام «إذا كان يخشى إقدام السلطات الكويتية على اعتقاله» أجاب العجمي: «هذا أمر يخصّني والحكومة الكويتية» التي لم تحرّك ساكناً.


تمويل «النصرة» وتوجيهها

بعد خلافها مع «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، لعب سلفيّو الكويت دوراً أساسياً في تمويل «جبهة النصرة». لتنتقل العلاقة بين الطرفين من مرحلة تنفيذ مهمات محددة وقبض ثمنها (كما حصل في حطلة)، إلى مرحلة التمويل المستمر والإشراف.
يؤكد مصدر «جهادي» لـ«الأخبار» أن «حزب الأمة بقيادة حاكم المطيري بات فاعلاً في تمويل وتوجيه النّصرة». يتحدث المصدر عن «تسريبات» كشفت هذا الدور. ووفقاً للتسريبات، فإن «حجاج العجمي هو رجل المطيري في الشام. وبعد تفجر خلاف النصرة مع داعش، استغل العجمي حاجة النصرة إلى المال، واتفق مع قادتها على تقديم الدعم لهم». ترافق تقديم الدعم مع «تزكية» العجمي لـ«مجاهدين كويتيين». فأصبحوا «شرعيين» و«أمراء» داخل الجبهة. ومن هؤلاء «أبو الحسن الكويتي» الذي كان حتى وقت قريب أحد «الشرعيين» المؤثرين.
رغم أنه «لا يمتلك من العلم ما يؤهله لتولي منصب مؤثر على أمراء النصرة أنفسهم» وفقاً للتسريبات. لم يكن حجاج العجمي الكويتي الوحيد الذي فتح خطاً «تمويلياً» مع «النصرة». فحسب المصدر ذاته «قبلت النصرة الدعم من شافي العجمي الذي دعمها حتى الآن بحوالى مليون دولار». أفلحت الجهود الكويتية، أيضاً، في دفع بعض «الألوية» إلى «مبايعة النصرة»، الأمر الذي يصفه المصدر بـ«تجذّر المطيري في الجبهة، وتحكّمه بها لا عبر الشرعيين والمال فحسب، بل عبر اختراقها بفصائل كاملة تدين له بولاء مباشر».
وتجدر الإشارة إلى أن عدداً من وسائل الإعلام الكويتية عمل على الترويج لـ«شرعيّي النصرة»، ودورهم في «تبيان الانحراف في فكر داعش». والإشادة بأن «هؤلاء الدعاة مشهود لهم بالاجتهاد في طلب العلم وتاريخهم العلمي معروف».


«مجلس الداعمين في الكويت»

إذا كان دعم «النصرة» أمراً مستجداً، فقد سبقه كثير من «مبادرات الدعم» المستمرة حتى اليوم بإمداد المجموعات المسلحة المتشددة بعشرات ملايين الدولارات، نقداً وأسلحةً.
ويعتبر «مجلس الداعمين» من أبرز تلك «المبادرات». أُعلن عن تشكيله في كانون الأول 2012، ويضم رجال دين ونشطاء ونواباً سابقين، على رأسهم النائب الكويتي السابق محمد هايف الذي يشغل منصب «الأمين العام لمجلس الداعمين».
من أبرز أعضائه: الدكتور فهد الخنة، الدكتور عثمان الخميس، الدكتور فرحان الشمري، الدكتور نايف العجمي، محمد ضاوي وعبد المانع الصوان. ويقوم المجلس بدور محوري في تمويل عدد من المجموعات المسلحة، وأبرزها «حركة أحرار الشام»، التي لعب الدعم الكويتي الدور الأول في إنشائها.


«غرفة عمليات دمشق»

كان «مجلس الداعمين» الجهة الفعلية وراء تشكيل «غرفة عمليات دمشق»، في أيلول 2013، التي ضمت: «جيش الإسلام»، «ألوية الفرقان»، «ألوية الحبيب المصطفى»، «حركة أحرار الشام الإسلامية»، «ألوية وكتائب الصحابة» و«لواء جيش المسلمين». وخُصصت فقرة من بيان تشكيلها لشكر المجلس «الذي تفضّل مشكوراً بدعم غرفتنا هذه في كل المجالات، بدءاً من الدعم العسكري ومروراً بالدعم اللوجستي وانتهاءً بالدعم الإغاثي والمعنوي»، وفقاً للبيان.


«حملة الكويت الكبرى»

انطلقت «الحملة» بشكل علني في حزيران 2013، بالتزامن مع مجزرة حطلة، وحملت اسم «حملة الكويت الكبرى لتجهيز 12 ألف غازٍ إلى سوريا». قبل أن يتم تلطيف اسم الحملة، عبر استبدال توصيف «غازٍ» بـ«مجاهد». وقد جمع القائمون على الحملة 8400000 دينار (حوالى 30 مليون دولار). وكان من أبرز مروجي الحملة كلٌّ من النوّاب: وليد الطبطبائي، جمعان الحربش، مبارك الوعلان، فلاح الصواغ، بدر الداهوم، نايف المرداس وحمد المطر. إضافة إلى المشايخ: شافي العجمي، عبد العزيز الفضلي وحجاج العجمي.

«غرفة عمليات الساحل»

لعب الشيخ حجاج بن فهد العجمي دوراً أساسياً في تشكيلها. وهي التي أدارت الهجوم على قرى ريف اللاذقية الشمالي قبل أشهر. اجتمع العجمي حينها مع عدد من قادة المجموعات في ريف اللاذقية، بمن فيهم عمر الشيشاني «قائد جيش المهاجرين والأنصار». وأقنعهم بتشكيل الغرفة، وإطلاق «معركة الساحل». يُعتبر العجمي أحد أبرز الداعمين والممولين للمجموعات الإسلامية، وعلى رأسها «حركة أحرار الشام». ويلعب دوراً بارزاً في عمليات الإمداد بالمال و«المجاهدين» عبر جمعيات يعمل بعضها تحت غطاء الإغاثة الإنسانية.

«ملتقى العجمان ويام لنصرة الشام»

هو أحد مظاهر الأنشطة القبلية «الداعمة للثورة». تشرف عليه قبيلة العجمان، إحدى قبائل يام. يقوم الملتقى بتنظيم حملاتٍ لجمع التبرعات. ويتم استخدام أموالها عبر مسارين، إغاثي مُعلن، وتسليحي غير معلن. آخر حملة أقيمت في تشرين الأول 2013، باسم «شهداء قبيلة العجمان ويام في سوريا»، وذلك «تقديراً لذكرى بعض أبناء القبيلة الذين استشهدوا كما نحسبهم في الشام دفاعاً عن دين الله وحرمات المسلمين»، وفقاً لتصريحات أدلى بها المشرف العام على الحملة نادر خميس بن دقلة العجمي.
يتعاون الملتقى مع «مجلس الداعمين للثورة السورية في الكويت» الذي أقرّ أمينه العام في كلمة ألقاها خلال إطلاق الحملة بأنه «يوجّه 70% من دعمه إلى جيش الإسلام في دمشق». وكان من بين الحاضرين عدد من الشخصيات الرسمية، من بينهم السفير عبد العزيز السبيعي، الرئيس الفخري لاتحاد سفراء الطفولة العرب، الذي قام بتكريم القائمين على الحملة.



الطبطبائي عرّاب حصار نبّل والزهراء

يُعتبر النائب الكويتي السابق وليد الطبطبائي أحد أبرز الشخصيات المؤثرة في المجموعات المسلحة في سوريا، ويقوم بشكل متواتر بزيارات للمناطق الخاضعة لسيطرتها. ويحرص على وصول المعونات التي تُجمع في الكويت إلى هذه المجموعات، سواء في شكل سيولة نقدية تُغطي رواتب المسلحين، أو في شكل شحنات أسلحة. وسبق أن أكدت مصادر إعلامية مُعارضة أن إحدى زياراته لريف إدلب استمرت أربعة أشهر، شارك خلالها في التخطيط لبعض العمليات. وفي أيلول 2013 ظهر الطبطبائي في مقطع مصوّر نُشر على «يوتيوب» أثناء مشاركته في تجهيز صواريخ «غراد» وإطلاقها (قيلَ إنها كانت موجهةً إلى الساحل السوري). ودأب كثير من أنصار «الثورة» على توجيه الشكر للطبطبائي لمساهماته الفاعلة، ومن بينها «حرصه على إحكام الحصار المفروض على مدينتي نبل والزهراء في ريف حلب». وهو الحصار الذي تؤكد مصادر مُعارضة أن الطبطبائي أحد عرّابيه. في تشرين الثاني 2013 سرت شائعة تفيد بأنه «أصيب إثر غارة جوية استهدفت اجتماعاً كان يعقده مع عشرة من قادة المجموعات المسلحة في ريف حلب»، وذهب البعض إلى أنه قُتل، قبل أن يُدلي بتصريحات من الكويت تنفي تلك الأنباء.