بغداد | حزمة قرارات أعلنها رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، عقب الجلسة الحكوميّة الأولى. لقاءاتٌ مع عدد من الدبلوماسيين، أبرزهم السفيران الأميركي والإيراني لدى بغداد. مناخٌ، وفق مصادر سياسية بارزة، كان «مريحاً جدّاً»، خاصة أن اللقاءين حملا تأكيدات العاصمتين ضرورة «إنجاح تجربة الكاظمي»، في وقت يلفت فيه مراقبون إلى أن «الأشهر الأربعة المقبلة (أيّار/ مايو، حزيران/ يونيو، تموز/ يوليو، آب/ أغسطس) ستتسم بالهدوء، وستكون فرصة أولى لقياس جديّة الكاظمي في تنفيذ برنامجه الوزاري»، خاصّة أن الجانب الأميركي منح الجانب العراقي «استثناءً» لاستيراد الغاز والكهرباء من الجمهورية الإسلاميّة لـ120 يوماً.الأجواء التي رشحت عن الزيارتين، وفق المعلومات، كانت «إيجابيّة جدّاً»؛ فالكاظمي يسعى في الشكل والمضمون إلى تحقيق توازن في العلاقات مع واشنطن وطهران، واحتواء تبعات الاشتباك القائم بين المحورين داخل البلاد، رافضاً تحويلها كما ينقل عنه إلى ساحة لتصفية الحسابات. تؤكّد المعلومات أن الرجل يرغب في المقابل وبشدّة في «تعزيز العلاقات الثنائيّة مع طهران»، وهو أمرٌ مسحوبٌ على مقاربته العلاقة مع واشنطن التي أعربت عن جاهزيتها لتحديد جدول زمنيّ لانسحاب قواتها. هذا التوجّه أُبلغت به طهران مراراً خلال الأسابيع الماضية، عبر «قنوات موثوقة»، وهي رحّبت بذلك، الأمر الذي شكّل لدوائر القرار فيها «دافعاً إضافيّاً» لقبول الكاظمي ودعمه.
منح الأميركيون بغداد «استثناءً» لاستيراد الغاز والكهرباء من طهران لـ120 يوماً


في خطوتين بارزتين، أعلن رئيس الوزراء الجديد توجّه حكومته إلى الاستدانة الخارجيّة، لتأمين رواتب العاملين في القطاع العام والمتقاعدين أيضاً، من جرّاء الأزمة الخانقة التي تمرّ بها البلاد، بعد انخفاض أسعار النفط عالميّاً. فالعراق في الشهر المقبل سيكون عاجزاً عن تأمين السيولة اللازمة لدفع رواتب العاملين والمتقاعدين؛ والكاظمي أمام خيارات محدودة للمواجهة، خصوصاً أن «أولى نتائج مكافحة الفساد ووقف الهدر لن تبصر النور عاجلاً، لأسباب تتصل ببنية النظام ومفاصله الحاكمة»، يقول مصدر مطّلع.
أما القرار الثاني، فكان إعادة الفريق أوّل الركن عبد الوهاب الساعدي، وترقيته رئيساً لـ«جهاز مكافحة الإرهاب»، بعدما أحاله رئيس الوزراء السابق، عادل عبد المهدي، إلى إمرة وزارة الدفاع. هنا، يطرح سؤال: هل الساعدي متّهمٌ بـ«قيادة الانقلاب؟». الإجابات متناقضة، لكن إن كان هذا صحيحاً، فإن الكاظمي بخطوته يسعى إلى النزول عند رغبة الشارع واستيعابه أوّلاً، وتحقيق «توازن ما» في الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة الرسمية المتأثّرة (كما يُعبّر) بتوجيهات واشنطن أو طهران ثانياً. فخطوة إقالة الساعدي كانت الشرارة الأولى لأحداث 1 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي. وهذا ما جعله يحظى بمباركة «المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني)، التي سبق أن عبّرت بأسلوبها عن رفضها قرار عبد المهدي. وإن كان اتهام الساعدي، كما يعبّر البعض، بأنّه «تلفيق من أحدهم»، فإن رصيد «المصداقيّة» لفريق سياسيّ واسع يوجب سؤالاً عن آلية اتخاذ قرار/موقف تدرك في كثير من الأحيان أنّه مبنيٌّ على «شائعة ما» أو تصفية حساب ما. لكن الكاظمي وجّه ضربة إعلاميّة قاسيّة لهذا الفريق، مفقداً إيّاه «ركن» رواية أحداث 1 تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي.
وفي مسعاه لاستعادة «هيبة الدولة»، أعلن الكاظمي «تشكيل لجنة قانونية عليا لتقصّي الحقائق في كل الأحداث التي وقعت منذ تشرين الأوّل/أكتوبر»، داعياً إلى إطلاق سراح الموقوفين من المتظاهرين بالتنسيق مع القضاء، عدا المتورطين بالدم، وعدم التساهل مع جرائم الخطف وملاحقة مرتكبيها، وحماية المتظاهرين السلميين ومنع العنف. توجّهات ستكون محطّ ترحيب دوليّ وإقليمي، لكنّها مرهونةٌ بقدرة الكاظمي على تنفيذها. ونجاحه يعني بناء قاعدة جماهيريّة واسعة، وهذا ما يريده بتأكيد انتمائه إلى الناس، كما أنه ما تريده «المرجعيّة» التي ستكون في صفّه إن حقّق ذلك. أما واشنطن وطهران، فمدى مراعاة الكاظمي لمصالحهما هو ما سيقطفه الرجل دعماً وغطاءً من المحسوبين عليهما.