عمان | تلقّت السفيرة الأردنية لدى واشنطن، دينا قعوار، خطاباً موقّعاً من سبعة نواب أميركيين، أربعة منهم خدموا في الجيش في أماكن متعددة منها العراق وأفغانستان، بخصوص الأسيرة المحررة أحلام التميمي التي تقيم في الأردن. الخطاب مؤرخ في 30 نيسان/أبريل 2020، وهو شكوى من «الحياة الطبيعية» التي تعيشها التميمي في المملكة، وتتضمن حرية التنقل والظهور الشعبي وحتى عملها في الإعلام، من دون أن تتخذ السلطات ما يمنع ذلك أو حتى تستجيب لمطالبات بتسليم التميمي لواشنطن من أجل المحاكمة، نظراً إلى ضلوعها في تنفيذ العملية الفدائية المعروفة باسم «بيتزا سبارو» قضى فيها إسرائيليون من جنسية أميركية. والأخيرة نفذها الشهيد عز الدين المصري عام 2001 في القدس المحتلة، وخطط لها الأسير عبد الله البرغوثي، صاحب أعلى حكم في التاريخ، وكان دور التميمي إيصال الاستشهادي، إلى أن اعتُقلت وجرى تعذيبها وحكم عليها بـ16 مؤبداً، قضت منها عشر سنوات قبل الإفراج عنها وعودتها إلى المملكة في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، لتستقبلها الأطر الشعبية والحزبية والنقابية استقبال الأبطال.المتتبع لقضية التميمي يدرك أن هناك حديثاً دائماً عنها، بل ليست جديدة المطالبات عبر الأطر التشريعية الأميركية بتسليمها، كما لا يمكن تجاوز الموقف الصلب الذي أبداه القضاء الأردني في 2017 عندما صدّقت محكمة «التمييز»، وهي أعلى هيئة قضائية، على قرار صدر عن «استئناف عمان» يقضي برفض تسليم التميمي لأنها تحمل الجنسية الأردنية. يقول فادي فرح، وهو مقرر «اللجنة الوطنية للأسرى والمفقودين الأردنيين في المعتقلات الصهيونية»، لـ«الأخبار»، إن «التميمي خرجت في صفقة تبادل ولا يمكن تسليمها، وما قامت به هو فعل مقاومة مشروع، وهناك رفض لتسليمها مدعوماً بقرار قضائي أردني».
مَن خاطب السفارة الأردنية هم نواب جمهوريون مِن حزب ترامب


في الجانب القانوني، يقول الخبير الدولي المحامي أنيس القاسم إنه من الناحية الفنية والتشريعية والقانونية البحتة، التميمي اقترفت «جريمة» وتمّت محاكمتها وعوقبت عليها (بعيداً من مشروعية ما فعلته)، ومع أنها لم تمضِ كامل العقوبة فإنها مشمولة ببنود الصفقة التي تسقط ملاحقتها على «الجرم» نفسه. من ناحية أخرى، يضيف القاسم، لا يجوز تحت أي مبدأ محاكمة أي شخص على «الجريمة» نفسها مرتين، وهذا ما يطلبه المشرعون الأميركيون. ويضيف في حديث إلى «الأخبار»: «الخطاب المذكور لا يعني شيئاً؛ فالكونغرس لم يصدّق عليه ولم يتبنّه ويحوّله إلى مشروع قانون يجري التصويت عليه ويرفع إلى الإدارة كقانون نجح بالغالبية. على فرض أن ذلك تحقق، إن البيت الأبيض وفقاً للدستور غير ملزم بما يصدر عن الكونغرس في السياسية الخارجية التي تقتصر حصراً على السلطة التنفيذية».
على الصعيد الأردني، يوضح القاسم أنه «لا يجوز تسليم أي مواطن أردني لجهة أجنبية إلا إذا صدر بحقه حكم قضائي قطعي، وبوجود معاهدة لتسليم المطلوبين بينهما، وهذه غير موجودة حالياً بعد أن قُضي ببطلان المعاهدة بين عمان وواشنطن (التي يشير إليها الخطاب) لعدم دستوريتها». لذلك، تبدو مطالبة سبعة مشرعين أميركيين عمّان بالتصرف على نحو غير دستوري في قضية التميمي «ضرباً من العبث، فكيف لمشرع أن يطالب بمخالفة تشريعاته؟». وبشأن التهديد بالعقوبات، يقول: «هذا غير دقيق، ولن توتر واشنطن علاقتها بأحد أهم حلفائها وأصدقائها في المنطقة في قضية غير مفصلية مثل قضية التميمي، ومخطئ من يعتقد أن العقوبات، لو أقرّت، ستأتي في يوم وليلة».
هكذا، يتضح أن قضية التميمي سياسية بامتياز ولا تغيب عن معمعة الانتخابات الأميركية المقبلة، ولا سيما أن من خاطبوا السفارة الأردنية هم نواب جمهوريون من حزب دونالد ترامب، كما يمكن أن يقرأ ضمن الابتزاز المتواصل بسبب موقف عمان الرافض لضم الأغوار، فضلاً عن تغيب السفيرة قعوار عن مؤتمر إعلان «صفقة القرن». أما في المملكة، فلا ينظر إلى الأمر سوى كـ«سحابة صيف»، خصوصاً مع التفرغ الرسمي للوضع الداخلي بصورة شبه كاملة وغياب واضح للنشاط في السياسة الخارجية، بل يمكن أن الحديث عن العقوبات يتناقض مع الصورة التي نشرتها السفارة الأميركية لدى عمّان ويظهر فيها وزير التخطيط والتعاون الدولي الأردني، وسام الربضي، ومدير «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» (USAID)، جيم بارنهارت، أثناء توقيع اتفاقات المساعدات للمملكة بقيمة 340 مليون دولار، وهي جزء من 1.085 مليار خصّصها الكونغرس للأردن ضمن موازنة الولايات المتحدة لسنة 2019.