سوريا: آذار رابع... ولا ربيع | اللاذقية | «دكتورة، أنا أخي استشهد وما حسنت أدرس منيح، اترجاكي ساعديني»، هذه العبارة كتبها أحد الطلبة على ورقة امتحان اللغة الإنكليزية في جامعة تشرين. لم يكن الطالب (ة) يعلم أنه ناجح بالامتحان من دون مساعدة أستاذته. الجملة المكتوبة تمنح الطالب علامة الصفر، لأنها قد تعد إشارة دلالية على طالب معيّن.
«لا يخلو بيت من بيوت اللاذقية من شهيد، أو أسير أو مخطوف أو مفقود. إذا كان هذا طريقاً للنجاح في الجامعة، فسينجح الجميع من دون استثناء»، تروي الأستاذة في جامعة تشرين لـ«الأخبار».
وتضيف: «استوقفتني الجملة المكتوبة، شعرت بالعجز للحظة، ثم صححت الورقة، لأجد معظم الإجابات صحيحة، وتجاوزت علامة النجاح».
اليوم يواصل طلبة جامعة تشرين تحصيلهم العلمي بالتوازي مع متابعة تطورات الميدان السوري. ويقول طارق حيدر، طالب الهندسة، في السياق، «تعرضنا لضغوط نفسية كبيرة، أثرت في دراستنا، معظم الطلبة حملوا موادهم، وبعضهم رسبوا. ما يحدث مخيف. بعد هذه التضحيات أملنا بالجيش فقط».
في مدارس اللاذقية تأخذ الأمور منحى آخر، حيث تأثر مستوى التعليم في مراحله الثلاث بالأحداث الدائرة في البلاد، على نحو خطير، كما تباينت آراء التلاميذ حول ما يجري على الأرض. في إحدى مدارس ريف اللاذقية الابتدائية، اختلف تلميذان حول شكل العلم السوري، رسمه أحدهما بـ«ثلاث نجمات»، وأصر الآخر على أنه بنجمتين مع اختلاف الألوان... لتحسم معلّمتهما براءة الجدل بينهما.
وتروي لـ«الأخبار» أنّ «الأزمة أفرزت جيلاً مختلفاً، والأطفال بينهم خلافات كثيرة، جزء منهم نازحون من مدينتي حلب وادلب. ويصرون على أن النظام يقتل الأطفال، ويدمر البيوت».
وتضيف: «تأثر الأطفال كثيراً بما يقدم على الفضائيات، وبعضهم متأثر بأفكار أهله، منهم من يقاتل والده مع مسلحي المعارضة، إلا أنهم يتكتمون، لكن من الواضح أن طفولتهم مغتصبة». تحاول المعلمة قدر الإمكان تقريب وجهات النظر. تؤجل أحياناً حصة تعليمية على حساب أمر آخر ترى أنّ «تفسيره أهم درس». يرفض معظم التلاميذ (الوافدين) الإفصاح عن أسماء أمهاتهم. «يا آنسة حرام نقول اسم الأم أمام الطلاب، ما بيصير يعرف أحد اسم أمنا»، تنقل المعلمة عن أحد التلاميذ. وتضيف: «فاجأوني بأفكارهم، تلاميذ في الصف الثاني الابتدائي. من زرع في عقولهم هذه الأفكار؟ أحدهم أخذني إلى خارج الصف ليخبرني باسم أمه». تغلبت المعلمة على هذه المشكلة، وسألت التلاميذ: «ما اسم أم النبي محمد؟». ساد الصمت قليلاً، ثم أجاب معظمهم. وتابعت: «إذاً ليس حراماً أن نقول أسماء أمهاتنا، إذا النبي محمد أخبرنا باسم أمه فهذا ليس عيباً أو خطيئة».
في صفوف مكتظة بالتلاميذ، ما يزيد على مئة طفل في كل قاعة تستوعب نحو ثلاثين طالباً في أفضل الأحوال، لا تعليم حقيقياً، ولا رقابة حقيقية.
في أحد الصفوف، تسأل إحدى المعلمات تلاميذها، «من منكم يسافر أهله إلى حلب، أريد إرسال بعض الأوراق إلى مديرية تربية حلب؟». يجيب أحد التلاميذ: «أنا آنسة، بس ما منقدر نوصل الأوراق لأن هذه المنطقة تحت سيطرة النظام!».