هل بدأت الحرب الأطلسية في اللاذقية؟ أم أنها مجرد معركة إرهابية إقليمية جديدة؟ في الحالتين، فإن الجيش العربي السوري، المدجج بالقدرات القتالية والانجازات والروح المعنوية العالية، سيقاتل لينتصر؛ يحارب، في الحالة الأولى، في مقدمة حلف دولي مضاد تقوده روسيا التي لن تخسر اللاذقية، بعدما ربحت سيفاستوبول، ويحارب، في الحالة الثانية، غزواً يائساً يأتي في سياق هزيمة شاملة، عسكرية وسياسية واجتماعية ثقافية، للتمرد الرجعي وكتائبه التكفيرية ـــ الإرهابية، ورعاتها الإقليميين، الغارقين في صراعاتهم البينية والداخلية والميدانية.
منذ صيف 2011، لعبت تركيا الإخوانية ــــ الأردوغانية، الدور الرئيسي في الحرب الأطلسية ــــ الخليجية ــــ الإسرائيلية على سوريا؛ فمخابراتها هي التي أسست ما يسمى «الجيش الحر»، ونظّمت واستقبلت وجهزت عشرات الآلاف من المقاتلين من مختلف التيارات التكفيرية ـــ الإرهابية، وسهلت لهم العبور إلى الأراضي السورية، ومنحتهم، على الأراضي التركية، قواعد خلفية. لكن ما حدث، منذ يوم الجمعة الماضي، يُعدّ تطوراً نوعياً. فلقد انتقل الجيش التركي إلى شنّ عدوان سافر على سوريا، حين شاركت دباباته ومدفعيته ومضاداته وطائراته الحربية، مباشرةً، في الهجوم على كَسَب ومحيطها على الحدود مع محافظة اللاذقية؛ نحن الآن أمام غزو أجنبي صريح: قوات وقدرات عسكرية نظاميّة تركية تدعم، استخبارياً ولوجستياً وقتالياً، جماعات من الإرهابيين المرتزقة ــــ بقيادة «جبهة النصرة» الموالية لـ «القاعدة» والدوحة وأنقرة ــــ للسيطرة الحربية على أراضٍ سورية.
من الواضح أنه، بعد انجازات الجيش العربي السوري وحلفائه في القلمون وحمص ومناطق أخرى، وتتالي الانهيارات في صفوف الجماعات المسلحة والإرهابية، لم يعد هناك مفر أمام قوى العدوان الإقليمية والدولية، الهادفة إلى اسقاط الدولة السورية، سوى فرصة الغزو الخارجي العلني. لكن ذلك الغزو، كان متوقعاً من الجنوب، عبر الحدود الأردنية، وفي سياق برنامج وتمويل سعوديين؛ فكيف تحوّل إلى الشمال، وفي سياق تحرّك قَطري ـــ تركي «مفاجئ» سياسياً؛ (فالدولتان أظهرتا، في الأسابيع الأخيرة، الكثير من المؤشرات على اتجاههما إلى استدارة سياسية)؟ وهل يحدث هذا الغزو في إطار المنافسة مع المشروع السعودي في سوريا؟ أم أنه ناجم عن قرار أطلسي بالتصعيد ضد الروس في اللاذقية التي تمثّل قلب قوّة النظام السوري وموئل الأسطول الروسي في البحر المتوسط؟
تقول توقعات صحافية تركية إن أنقرة والدوحة، تبعثان بـ «رسالة أخيرة» قبل «إعادة تموضعهما الإقليمي»، أي إظهار قدرتهما على الإيذاء، قبل التفاوض مع دمشق. ولا يمنع ذلك الاحتمالات الأخرى؛ مثل منافسة السعوديين وجبهتهم الأردنية المتذبذبة، أو الحاجة التكتيكية إلى تخفيف الضغط العسكري والمعنوي عن الجماعات الإرهابية داخل سوريا، أو إلى حاجة رئيس الوزراء التركي، رجب أردوغان، إلى الاحتماء من العواصف الداخلية والخارجية، ضد حكومته، بغبار معركة مع الجيش السوري، يعرف أن مشاركة الجيش التركي فيها، يحصنه في مواجهة المعارضة الداخلية، ويمنحه امكانية تجاوز خسارة انتخابية.
غير أنه مهما كانت دوافع وسقوف العملية الحربية المشتعلة في كَسَب الآن، فهي لا يمكن أن تتم، وبهذا المستوى المكشوف والكثيف من التدخل العسكري التركي، من دون غطاء أو أقله إشارة خضراء من الحلف الأطلسي؛ مما يسلّط الضوء على فرضية الربط بين اطلاق حرب اللاذقية واسترداد سيفاستوبول بالقرم، إلى الحضن الروسي.
الولايات المتحدة وأوروبا الغربيّة، العاجزتان عن الفعل على الجبهة الأوكرانية ــــ الروسية إلا بوساطة الأحزاب النازية، هما، كذلك، أيضاً، على الجبهة السورية؛ تستخدمان حليفهما التركي وميليشيات «القاعدة» تحديداً؛ يشير ذلك الانحطاط، في العمق، إلى هزيمة تاريخية للرأسمالية الغربية الشائخة، ويرسم صورة كاريكاتورية للسلطان العثماني الذي يتآمر على سوريا تحت شعار «الحرية»، بينما يدافع عن الدولة التركية، بقمع حرية التعبير فيها، ويربط بين جيشها والإرهابيين في عملية عسكرية مشتركة، ويتباهى بإسقاط طائرة سورية، ويتوعّد سواها، في مهرجان انتخابي يأخذه إلى الغلوّ، بينما هو يعرف أنه سيحارب، إذْ يحارب، سوريا وروسيا معاً؛ أم أنه يظن أن دمشق لا تملك، هي الأخرى، إشارة خضراء من حليفها الدولي؟
تطرح عمليّة كَسَب، سواء أنجلت عن حرب أم عن مجرد معركة، أسئلة جوهرية على محور المقاومة: هل يمكن الحديث، بعد، عن صحوة إسلامية، يشكل «أفضل» قادتها، نموذجاً للتعصّب الطائفي والارتباط بالمنظمات التكفيرية الإرهابية والتبعية للحلف الأطلسي والحقد الأسود على العروبة وقلبها النابض، والاستعداد الدائم لطعنها؟ هل يمكن للمقاومة، مهما علا الصراخ في غزّة باسمها، أن تكون، فعلاً، مقاومة، بينما هي تتحالف مع حكومة انتهت إلى الغزو الصريح لبلد عربي؟ وهل يمكن أن تنفصل معايير فلسطين عن معايير سوريا؟ وهل يمكن لإسلام مقاوم أن يخوض حربه خارج معسكري الصراع الدولي؟