مرّ اليوم الأوّل على دخول قانون «قيصر» الأميركي حيّز التنفيذ. جميع الأطراف المعنيين، من واشنطن إلى موسكو وطهران وبكين، مروراً بدمشق وبيروت، بدأوا ينشغلون بتظهير مواقفهم. مواقف، رغم تفاوت حدّتها واختلاف وجهتها، فهي تتقاطع عند تأكيد أن المرحلة المقبلة ستطبع الخارطتين الميدانية والسياسية في الإقليم. يريد الأميركيون من عقوبات «قيصر» قواعد تحكم جولة جديدة من الصراع في الإقليم، تعوّض التوازنات التي اهتزّت بفعل نتائج الميدان في السنوات الأخيرة، والنتائج العكسية للرهان على ضرب سوريا وإسقاطها. تحرص واشنطن على تطبيق متشدد للعقوبات حتى فكفكة السلطة المركزية في سوريا وإخضاعها بسلاح التجويع. اللوائح الأولى، مرفقة بتهديدات بمعاقبة الحلفاء العرب، بمن فيهم الإماراتيون، تؤكّد حجم الحرص الأميركي على الأخذ بمستوى لا هوادة فيه من المواجهة. على الضفة المقابلة، حلفاء سوريا، الإقليميون والدوليون، يجمعون على أن خسارة هذه الجولة، بسلاح الاقتصاد الحصار والتجويع هذه المرّة، خيار غير وارد.عملياً، المعركة الأميركية باسم قانون «قيصر»، تستهدف علناً تغيير الموقف السياسي للحكم في سوريا. وهو تغيير ينشد تسوية مع القوى الإرهابية التي خرّبت سوريا وعبثت بدولتها وشعبها. وهي تسوية يريدها الأميركيون بهدف تعديل جوهري للسياسات في بلاد الشام، بغية إبعادها عن محور المقاومة. إنها المعركة الجديدة الهادفة إلى ضرب محور المقاومة في سوريا، ولكن في لبنان والعراق أيضاً. هي معركة واضحة ضد المقاومة. وبهذا الوضوح، يتعامل معها محور المقاومة بكل حكوماته وقواه. وربما كان كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله واضحاً في أبعاده المباشرة، خصوصاً عندما ردّ على محاولة تخيير الناس بين سلاح المقاومة ولقمة عيشهم، قائلاً: سنحمي سلاحنا وسنقتلكم!
ترزح سوريا فعلاً، تحت وطأة عقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أدّت إلى تجميد أصول للدولة ومئات الشركات والأفراد. وتمنع واشنطن، أصلاً، صادرات واستثمارات الأميركيين في سوريا والتعاملات في مجالات النفط والغاز ومنتجاتهما. وهي تضغط أيضاً، على حلفائها في العالم، وخصوصاً جيران سوريا، كالأردن ولبنان، للانخراط في جهود خنق سوريا. كما تحتلّ بالتعاون مع «قوات سوريا الديموقراطية»، حقول النفط والغاز في شرقي الفرات، وتمنع الشعب السوري من عائدات الآبار التي تنهبها لـ«تمويل أعمالها الحربية في سوريا»، كما تزعم. ولكن العقوبات الجديدة، بنسخة «قيصر»، تعرّض أي متعامل مع سوريا، بصرف النظر عن جنسيته، للعقوبات وتجميد الأصول. كما تشمل العديد من القطاعات الأخرى، على رأسها قطاع التعاملات المالية. بالإضافة إلى أنها تشمل من يتعاملون مع كيانات في روسيا وإيران، أو حزب الله.
وأكد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في سياق إعلانه دخول قانون «قيصر» حيّز التنفيذ، أنه «يتوقع العديد من العقوبات الإضافية، ولن نتوقف إلى حين توقف الأسد ونظامه عن حربهما الوحشية». ووصف العقوبات بأنها «بداية ما ستكون حملة متواصلة من الضغوط الاقتصادية والسياسية لحرمان نظام الأسد من العائدات والدعم الذي يستخدمه لشن الحرب». وأفاد بومبيو بأن الولايات المتحدة تمضي قدماً بحملة الضغط «بتعاون كامل من دول أخرى متفقة معها»، في هذا الصدد. كذلك، أفادت المتحدثة الإقليمية باسم الخارجية الأميركية، جيرالدين غريفث، بأن «قانون قيصر صارم، ويشمل بنوداً مهمة ضد كل من يتعامل مع الحكومة السورية»، وهو يستهدف «الحكومة السورية ونشاطاتها بشكل أساسي... لا الشعب السوري». واعتبرت غريفث أنه «ليس هناك حل عسكري للأزمة في سوريا، ونهدف إلى دفع الحكومة للحل السياسي»، محددة أن واشنطن تريد «إخراج جميع القوات الإيرانية والموالية لها وحزب الله من سوريا». في السياق نفسه، هدّد المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، في تصريح مباشر، الدول العربية وخصوصاً دولة الإمارات بالعقوبات، مؤكداً أن أبو ظبي «تدرك أننا نعارض بشدة التقارب الدبلوماسي مع النظام السوري».
هدّد جيفري الدول العربية، وخصوصاً دولة الإمارات، بالعقوبات


وصدرت مساء أمس، من واشنطن، الحزمة الأولى من العقوبات في إطار قانون «قيصر». مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانةالأميركية، فرض عقوبات على 24 من الأفراد والكيانات الذين يدعمون الرئيس السوري بشار الأسد في جهود إعادة إعمار البلاد التي دمّرتها الحرب. وأعلنت الوزارة، في بيان، أن الإجراءات تمثّل «الخطوة الأولى التي تتخذها الخزانة الأميركية لفرض عقوبات بموجب قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، الذي وقّعه الرئيس دونالد ترامب في نهاية عام 2019». وقال وزير الخزانة ستيفن منوشين: «إن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي، بينما يقوم نظام الأسد بتهجير المدنيين لمصلحة النخب الموالية للنظام»، مؤكداً أن وزارته ستواصل استخدام أدواتها وصلاحياتها «لاستهداف نظام دمشق ومؤيديه في سعيهم للاستفادة من معاناة الشعب السوري». وبالتزامن مع عقوبات وزارة الخزانة، استهدفت وزارة الخارجية 15 شخصاً «يعيقون أو يعرقلون أو يمنعون وقف إطلاق النار أو تحقيق الحل السياسي للصراع السوري»، بحسب زعم الوزارة، في مقدمهم الرئيس السوري بشار الأسد وزوجته أسماء، اللذان وصفتهما الوزارة بـ«مهندسي معاناة الشعب السوري». وأوضحت الخارجية الأميركية أن «بعض تصنيفات اليوم، تأتي بسبب التغيير العمراني في الأراضي التي صادرها النظام السوري من السوريين بعدما شرّدهم»، في إشارة إلى مشاريع عمرانية كبيرة تقوم بها شركات سورية، أبرزها مشروع «ماروتا سيتي» العمراني التنظيمي، الذي تم الإعلان عنه سنة 2012 من قبل الرئيس السوري، باسم «تنظيم شرقي المزة»، ومدينة «غراند تاون» السياحية، وهو مشروع تطويري قرب مطار دمشق. وتابعت الوزارة: «نظام الأسد ومؤيّدوه يقومون الآن بضخ الموارد لبناء مشاريع عقارية فاخرة على تلك الأراضي (التي هُجّر منها أهلها بحسب زعم الوزارة)». وشملت الحزمة الأولى من العقوبات، في مجموعها الكلّي، 39 فرداً وكياناً في سوريا وخارجها، هم عبارة عن رجال أعمال سوريين مقرّبين من القيادة في دمشق، وشركات تابعة لهم في سوريا وخارجها، بالإضافة إلى ثلاث شخصيات عسكرية، وفرقة في الجيش السوري، وتنظيم مسلح داعم لدمشق. وأتت لائحة المستهدفين في العقوبات على الشكل الآتي:

الأفراد:
1- الرئيس السوري بشار الأسد
2- زوجة الرئيس أسماء الأسد
3- ماهر الأسد، شقيق الرئيس وقائد الفرقة الرابعة في الجيش السوري
4- غسان علي بلال، مدير مكتب الأمن في الفرقة الرابعة وقائد الفوج 555 مظلي
5- سامر الدانا (قائد لواء في الفرقة الرابعة)
6- بشرى الأسد (شقيقة الرئيس السوري)
7- منال الأسد (منال جدعان، وهي زوجة ماهر الأسد)
8- محمد حمشو (رجل أعمال وعضو في مجلس الشعب ورئيس مجلس رجال الأعمال السوري ــــ الصيني)
9- أحمد صابر حمشو (رجل أعمال ورئيس مجلس إدارة غرفة التجارة الدولية)
10- عمرو حمشو (رجل أعمال)
11- علي حمشو (رجل أعمال)
12- رانيا الدباس (سيدة أعمال)
13- سمية صابر حمشو (سيدة أعمال تعمل في سوريا وقطر)
14- عادل العلبي، تسلّم منصب محافظ دمشق منذ 2018، وأصبح رئيساً لمجلس إدارة شركة «دمشق الشام القابضة».
15- نذير أحمد محمد جمال الدين (محمد نذير أحمد محمد جمال الدين، رجل أعمال)
16- نادر قلعي (رجل أعمال سوري)
17- محمد خالد بسام زبيدي، رجل أعمال وعضو مجلس اتحاد غرف السياحة السورية منذ 2019
الكيانات:
18- الفرقة الرابعة في الجيش العربي السوري
19- «لواء فاطميون» الأفغاني
20- «كاستل هولدينغ» (النمسا، فيينا)
21- «آرت هاوس» (النمسا، فيينا)
22- شركة «الأجنحة المساهمة المغفلة» الخاصة (دمشق)
23- شركة «بنيان دمشق المساهمة المغفلة» الخاصة (المزّة، دمشق)
24- شركة «دمشق الشام للإدارة» (دمشق)
25- شركة «دمشق الشام القابضة» (دمشق)
26- فندق «إيبلا» (دمشق)
27- شركة «القمّة للتطویر والمشاریع المحدودة المسؤولیة» (ريف دمشق)
28- مدينة «غراند تاون» السياحية (طريق المطار، دمشق)
29- «قلعي للصناعات» (الكسوة)
30- شركة «ميرزا» (دمشق)
31- «راماك للمشاريع التنموية والإنسانية» (دمشق)
32- شركة «روافد دمشق المساهمة المغفلة» الخاصة (دمشق)
33- شركة «تميّز المحدودة المسؤولية» (دمشق)
34- «تيليفوكس كونسلتنتس» (كندا)
35- «تيليفوكوس ش.م.ل» (بيروت)
36- شركة «التيميت للتجارة المحدودة المسؤولية» (ريف دمشق)
37- شركة «كاسل إنفست هولدنغ ش.م.ل» (دمشق - بيروت)
38- شركة «زبيدي وقلعي المحدودة المسؤولية» (طريق المطار، دمشق)
39- شركة «العمار» (ريف دمشق)



دمشق تعدّل سعر الليرة
رأت وزارة الخارجية السورية أن «الحزمة الأولى من الإجراءات الأميركية تكشف تجاوز الإدارة لكل القوانين والأعراف الدولية». وقال مصدر رسمي في الوزارة، في تصريح إلى وكالة «سانا»، إن «الكثير من الدول أدانت العقوبات الأحادية اللّامشروعة وطالبت برفعها فوراً». وشدد على أن «الشعب السوري وجيشه الباسل الذي أجهض بصموده الأسطوري وملاحمه البطولية المشروع الأميركي دفاعاً عن سيادة سوريا ووحدتها... لن يسمحا لمحترفي الإجرام الأسود في البيت الأبيض بإعادة إحياء مشروعهم». وعلى وقع التدهور المزمن في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، والتدهور الحادّ الذي شهدته البلاد في الفترة الأخيرة قبيل دخول قانون «قيصر» حيز التنفيذ، رفع مصرف سوريا المركزي، أمس، سعر صرف الليرة الرسمي مقابل الدولار من 700 إلى 1250 ليرة، في خطوة تزامنت مع بدء تطبيق العقوبات الأميركية الجديدة. وحدّد المصرف، في بيان نشره على صفحته على موقع «فايسبوك»، سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي «بغرض تمويل المستوردات بـ1265 ليرة سورية وسعر شراء الحوالات الواردة من الخارج بـ1250 ليرة». وكان السعر الرسمي المعتمد منذ آذار/ مارس مثبتاً على 700 ليرة. ووفق البيان، يسعى التعديل «للوصول إلى سعر توازني بهدف ردم الفجوة بين سعر السوق وسعر الحوالات... وسط الظروف المرحلية التي يمر بها الاقتصاد الوطني نتيجة تشديد الإجراءات الاقتصادية القسرية الأحادية الجانب على الشعب السوري عبر ما يدعى بقانون قيصر، إضافةً إلى استمرار الأزمة الاقتصادية في لبنان».


موسكو: التعاون بين البلدين لن يتأثّر
أكدت الحكومة الروسية أن العقوبات الأميركية على سوريا «لن تؤثّر على التعاون بين موسكو ودمشق في المجال العسكري ومكافحة الإرهاب في سوريا». وحذّرت الخارجية الروسية واشنطن من عواقب سياستها، مذكّرة الأخيرة بأن «العقوبات الأميركية أحادية الجانب السارية منذ عدة سنوات، والتي أضيفت إليها قيود جديدة اليوم، أدّت إلى انخفاض قيمة الليرة السورية، وقفزة في أسعار الوقود والغذاء والضروريات الأساسية. ونتيجة لذلك، فإن آلاف السوريين البسطاء، وفقاً لممثلي وكالات الأمم المتحدة الإنسانية المتخصصة، أصبحوا حرفياً على حافة البقاء». ورأت أن «العقوبات الأميركية ضد سوريا غير شرعية، وتعرقل الجهود الدولية لحلّ الأزمة فيها». بدوره، أكد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، أن «العقوبات الأميركية على دمشق لن تؤثر على التعاون بين موسكو ودمشق»، مشدداً على أن «العقوبات غير قانونية، ولا أحد يقدر أن يمنع موسكو ودمشق من التعاون في المجالات كافة». وفي السياق ذاته، أكّد عضو مجلس الاتحاد الروسي فلاديمير جباروف، عزم موسكو على مواصلة دعم سوريا، رغم التهديد بتعرّض روسيا لعقوبات واشنطن بموجب «قيصر». وفي تصريح لوكالة «إنترفاكس» الروسية، علّق جباروف، الذي يرأس لجنة الشؤون الخارجية في الغرفة العليا من البرلمان الروسي، على إعلان بدء الولايات المتحدة فرض عقوبات «قيصر»، بالقول: «سنواصل بلا شكّ دعمنا لسوريا، بما في ذلك الدعم الإنساني والعسكري، ومساعدتها في حربها على الإرهابيين، كما سنواصل توسيع وتعزيز قاعدتينا في حميميم وطرطوس». وأضاف جباروف إن الولايات المتحدة «لن تستطيع ترويع روسيا بالعقوبات التي ينصّ عليها القانون الجديد».