القاهرة | كثرت في الفترة الأخيرة قرارات لقضاة مصريين مكلفين دراسة وإصدار أحكام في قضايا تتعلق بجماعة الإخوان المسلمين المحظورة، بالتنحي عن النظر في تلك القضايا دون ذكر الأسباب.تهرّب القضاة من إعلان سبب قراراتهم أثار المتابعين للشؤون الأمنية الذين يعيدون الأمر إلى الصراع القائم بين السلطة من جهة وجماعة الإخوان المسلمين المحظورة من جهة أخرى، ما أدى إلى تصنيف «الإخوان» جماعة إرهابية.
تنحي القضاة بدأ مع تنحي الهيئة القضائية في محكمة جنايات شمال القاهرة، برئاسة المستشار هشام سرايا عن النظر في محاكمة القياديين الإخوانيين محمد البلتاجي وصفوت حجازي، ومحمد محمود علي الزناتي وعبد العظيم إبراهيم، الطبيبين في المستشفى الميداني لاعتصام رابعة العدوية.

تقول الهيئة القضائية إنها اتخذت قرارها هذا استشعاراً منها للحرج عن استكمال نظر قضية اتهامهم باختطاف ضابط وأمين شرطة واحتجازهما قسراً وتعذيبهما داخل مقر الاعتصام المسلح لتنظيم الإخوان في منطقة رابعة العدوية. ورغم أن أدلة الثبوت توضح «خطأ وجرم المقبوض عليهم»، إلا أن المحكمة قررت إعادة ملف القضية إلى محكمة استئناف القاهرة، كي تتولى بدورها تحديد دائرة مغايرة من دوائر محكمة جنايات القاهرة تقوم بمباشرة محاكمة المتهمين في القضية.
كذلك تنحّت أيضاً هيئة محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار محمد فهمي القرموطي، في ثانية جلسات محاكمة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع ونائبيه خيرت الشاطر ورشاد البيومي، في واقعة قتل المتظاهرين السلميين أمام مكتب الإرشاد، وذلك لاستشعارها الحرج.
كذلك تنحى المستشار أحمد الشهيدي، قاضي المعارضات ورئيس محكمة جنح مستأنف مدينة نصر، عن نظر الاستئناف المقدم من الداعية السلفي أحمد عبد الله الملقب بـ«أبو إسلام» ونجله لاستشعاره الحرج مع تعرض حارس التأمين الخاص بقاضي اليمين من الهيئة القضائية المسؤولة عن نظر قضية الرئيس المعزول محمد مرسي. وجاء قرار رئيس محكمة جنح مستأنف مدينة نصر، المستشار محمد نافع، الخميس الماضي بالتنحي عن نظر الاستئناف المقدم من 13 طالباً وطالبة في جامعة الأزهر على الحكم الصادر ضدهم بالحبس لمدة 5 سنوات لاستشعاره الحرج، ليفجر الأزمة التي يعانيها قضاة مصر وذووهم الذين يعتقدون أن تحركاتهم باتت مرصودة من قبل جماعات الإخوان المسلمين وأنصارهم المسلحين. مصدر قضائي أوضح لـ«الأخبار» أن «تنحي القضاة المنوطين بالنظر في قضايا الإخوان المسلمين، سببه الحالة الأمنية المتردية التي تشهدها البلاد، وخاصة أن عيون المراقبين لهذه القضايا لا تمهل القاضي فرصة لأن يحمي نفسه في حال عدم تعرضه للأذى المباشر».
في السياق، أشار قائد قوات حراسة إحدى محاكم القاهرة إلى أن «عداء الإخوان وصل إلى تهديدات مباشرة من المدنيين الحاضرين لحضور جلسات الجناة من الجماعة وأنصارهم، ذلك أثناء سير المحاكمة، أو عقب طلب القاضي لاستراحة للاطلاع على الأوراق المقدمة من المحامين الحاضرين عنهم». وأوضح أن «التهديدات ترسل عبر الهتافات المعادية للهيئة القضائية، مع تحذيرات بالانتقام والوعيد في حال استمرار القضاة في نظر قضايا ذويهم المقبوض عليهم».
بدوره، الباحث في جامعة «عين شمس» في شؤون تأمين المواكب والشخصيات العامة، محمد إبراهيم، رأى أن «تهديدات التصفية تلاحق القضاة»، وهو ما يدفعهم إلى اتخاذ موقف بالتنحي عن النظر في أي قضية تتعلق بـ«الإخوان». وأوضح أن القضاة يتلقون تهديدات عبر رسائل نصية عبر الهاتف، بالإضافة إلى ترك ملصقات ورقية على زجاج سياراتهم وذويهم المقربين وإرسال طرود فارغة إلى منازلهم حولت حياتهم إلى جحيم، «من هنا فإن رد الفعل الطبيعي للقاضي ــ المطارد من الجماعات المسلحة ــ هو الخروج من دائرة التهديد لينأى بنفسه وبأسرته عن صراع دموي قد يدفع ثمنه الأبرياء».
وحول الاستعدادت الأمنية في وزارة الداخلية لحماية القضاة، لفت إبراهيم إلى عدم وجود ترتيبات كهذه حالياً، مع عدم القدرة على توفير طاقم أمني لكل القضاة الموكل إليهم النظر في قضايا «الإخوان»، بسبب كثرة القضايا وتزايد أعداد المقبوض عليهم من الجماعة، سواء كانوا متهمين بالتحريض أو بالتنفيذ المباشر والفعلي للجرائم.
وأشار إبراهيم إلى أن «أقل حكم في هذه التهم يمكن أن يصدره القاضي يمكن أن يدفع حياته ثمناً له». الخبير الأمني، ياسر ياسين، رأى في حديث لـ«الأخبار»، أن «الرسائل المعادية تضع القاضي تحت ضغط نفسي وعصبي لا يمكن بعده أن يؤدي عمله المهني وفق الضمير القضائي الذي يقضي بشفافية المحاكمة ونزاهتها، ليطمئن قلوبهم إلى الأحكام الصادرة بحق الجناة. لذلك، يخشى القاضي هذه الضغوط، ويلجأ إلى قرار «الابتعاد عن النظر في القضية؛ لاستشعاره «الحرج»، الكلمة التي تعتبر الآن كلمة السر وراء إطالة توقيتات نظر محاكم «الإخوان»؛ لأنهم يتعمدون إخافة القضاة وإرهابهم».