تكتّلت مجموعة عوامل لـ«تحاصر» اقتصاد الإمارات في دوامة ضغوط، تُبيِّن المعطيات المتوفرة أن تجاوزها سيكون بطيئاً وعلى مراحل، بخلاف الإيقاع السريع للأزمتَين الصحية والنفطية، وتداعياتهما. وفي قلب دوامة الضغوط هذه، يقبع القطاع المصرفي الذي تضرّر بشدّة بفعل أزمة السيولة. لكن الإمارات التي أعادت هيكلة حكومتها تماشياً مع التحديات القائمة، تأمل أن يدفع فتح البلاد إلى تنشيط اقتصادها المتراجع. واضطرت الإمارات على خلفية أزمةٍ ألقت بثقلها على مختلف الأنشطة الاقتصادية، بفعل تداعيات «كورونا» وتراجع عائدات النفط، إلى ترشيد نفقاتها، وتالياً إجراء تغييرات واسعة لهيكل حكومتها، تضمّنت إلغاء 50 في المئة من مراكز الخدمة الحكومية وتحويلها إلى منصّات رقمية في خلال عالمين، ودمج وزارات وتقليص أدوار بعضها. ويقبع القطاع المصرفي في قلب هذه الأزمة؛ يبيّن ذلك إعلان «بنك الإمارات دبي الوطني» (تملك الحكومة فيه الحصّة الأكبر)، في 24 حزيران/ يونيو، التخلّي عن بعض الوظائف «في ضوء التوقعات الاقتصادية التي تشير إلى أوقات صعبة مقبلة». الاعتراف بالصعوبات الكثيرة لم يعد خياراً في ظلّ ما تواجهه الدولة من أزمة سيولة نتجت، في جزء منها، من التراجع الحادّ في أسعار النفط، على خلفية انخفاض الطلب العالمي وحرب الأسعار السعودية - الروسية. ورغم مساعي أبو ظبي لتلبية متطلبات المرحلة، فإن قطاعها المصرفي يرزح تحت وطأة تصنيفات سلبية، ربما تؤدّي إلى فقد الثقة بهيكله. وليست أزمة شركة إدارة المستشفيات الإماراتية المتعثّرة «إن إم سي هيلث»، في منأى عن الكارثة المحدقة بالقطاع، وسط حالة قلق تعتريه، مردها إلى منح مصارف إماراتية قروضاً بأكثر من ملياري دولار إلى هذه المؤسسة التي تَقرَّر إعادة هيكلة ديونها تجنباً للسيناريو الأسوأ.
لكن أزمة القطاع سابقة للأزمة الصحية وتداعياتها، إذ سرّحت المصارف الإماراتية 930 موظفاً، وأغلقت 49 فرعاً محلياً في الربع الثالث من العام الماضي، على خلفية الاندماجات في القطاع وتدابير خفض التكاليف. وفي الربع الأوّل من العام الجاري، سجّلت أكبر 10 مصارف في البلاد انخفاضاً مجتمعاً بدخل الفوائد بنسبة 6.3%، بينما انخفض صافي الربح بنسبة 22.4%، وفق مذكرة بحثية أصدرها «بنك أوف أميركا» نهاية الشهر الماضي. سبق ذلك تعديل وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني، في 19 حزيران/ يونيو، نظرتها المستقبلية لثمانية مصارف في الإمارات («الإمارات دبي الوطني»، و«أبو ظبي التجاري» و«دبي الإسلامي» و«المشرق» و«آتش إس بي سي الشرق الأوسط» و«أبو ظبي الإسلامي» و«رأس الخيمة الوطني» و«الفجيرة الوطني») مِن مستقرة إلى سلبية. ويعكس تعديل النظرة المستقبلية «الضعف المحتمل الملموس في الوضع الائتماني المنفرد (للمصارف)، في ظلّ بيئة تشغيلية زاخرة بالتحديات في الإمارات بسبب تفشي الوباء وانخفاض أسعار النفط والتحديات الاقتصادية القائمة الموجودة مسبقاً». من جهتها، توقّعت وكالة «ستاندرد آند بورز»، في أيار/ مايو، ارتفاع القروض المتعثّرة وتكلفة المخاطر لدى المصارف الإماراتية خلال الأشهر الـ 12إلى الـ 24 المقبلة.
وفي قرار لم تتضح تداعياته بعد، قرّر المركزي الإماراتي، أوّل من أمس، إطلاق تسهيل إيداع جديد لأجل ليلة واحدة مِن 12 تموز/ يوليو، ليصبح مؤشراً على السياسة النقدية للمصرف. تسهيل سيسمح للمصارف التقليدية العاملة في البلاد، بإيداع سيولتها الفائضة لدى المركزي «على أساس الليلة الواحدة»، و«ستكون هذه التسهیلات أداة أساسیة لإدارة فائض السیولة لدى القطاع المصرفي في دولة الإمارات، وذلك قبل إطلاق برنامج الأذونات النقدیة، وستحلّ محل إصدار شهادات الإیداع لفترة استحقاق أسبوع واحد»، وفق البنك. وسيتحدّد الموقف العام للسياسة النقدية لـ«المركزي» من خلال سعر الفائدة على التسهيل الجديد، والذي سيصبح سعر الفائدة الرئيسي، ويشار إليه باعتباره «سعر الأساس».