الخرطوم | مستفيداً من الصلاحيات التي منحته إيّاها «الوثيقة الدستورية»، أجرى رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، أوّل تعديل وزاري في أوّل حكومة انتقالية تشكّلت بعد الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع، عمر البشير. وقَبِل حمدوك، أول من أمس، استقالة ستة وزراء هم: الخارجية، المالية، الثروة الحيوانية، الطاقة والتعدين، البنى التحتية، والزراعة والموارد الطبيعية. كما أصدر قراراً أعفى بموجبه وزير الصحة من منصبه. ووفق ما تنصّ عليه «الوثيقة الدستورية»، فإن عضو مجلس الوزراء يفقد منصبه في حال تَقدَّم باستقالته لرئيس الوزراء وقَبِلها الأخير على أن يتمّ تصديقها من «المجلس السيادي»، أو في حال أعفاه رئيس الوزراء من منصبه وقَبِل «مجلس السيادة» ذلك أيضاً. وبحسب بيان صادر عن حمدوك، فإن الأخير طلب من الوزراء المعنيّين الدفع إليه باستقالاتهم، التي قُبلت ستّ منها بينما تمّ إعفاء وزير الصحة بعدما تحفَّظ عن تقديم استقالته على اعتبار أن الحزب الذي رشحّه لتولّي الوزارة لم يَطلب منه ذلك. لكن الوزير أكد أن قرارات رئيس الوزراء «محلّ تقدير واحترام» لديه، معلِناً أن عملية التسليم والتسلّم ستتمّ اليوم السبت في مباني وزارة الصحة في الخرطوم.
حمدوك، الذي وصف التعديل بـ«المحدود»، أدرج خطوته في إطار «السعي لتطوير الأداء الحكومي، وتنفيذ مهام الفترة الانتقالية، والاستجابة للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة»، لافتاً إلى أن قراره جاء «بعد إجراء تقييم شامل ودقيق لأداء الجهاز التنفيذي خلال الفترة الماضية»، مضيفاً أن «عملية التقييم ستستمرّ حرصاً على تحقيق أهداف الثورة، ووفاءً لدماء وتضحيات الشهداء».
غير أن التقييم الذي تحدّث عنه رئيس الوزراء كان مثار جدل في الأوساط السياسية، وخصوصاً أن المجلس التشريعي المناطة به مراقبة الجهاز التنفيذي لم يُشكّل حتى الآن. كذلك، أعيد طرح تساؤلات حول أداء حمدوك المتّسم بالضعف والتردّد، إلى جانب البيروقراطية - التي ورثها من عمله في الأمم المتحدة - في إصدار القرارات التي تحاكي تطلّعات الحراك الشعبي. وبالنظر إلى أن رجالات النظام السابق والمنتفعين منهم لا يزالون منتشرين داخل مفاصل الدولة عبر لوبيات توزّعت في كلّ أجهزتها، فإن الإقالات لا تعدو كونها - في نظر البعض - تمكيناً لكتل على حساب أخرى وجدت في هشاشة موقع رئيس الوزراء مبتغاها.
أيضاً، أُخذ على حمدوك استفراده بالتعديلات الأخيرة بعيداً عن «قوى الحرية والتغيير»، الحاضنة السياسية للحكومة، والتي أطاح قراره بعدد من الوزراء المرشّحين من قِبَلها من دون التشاور معها (اكتفى حمدوك بإبلاغها بالأمر). وفي هذا الإطار، أشار «الحزب الشيوعي» إلى أنه علم بأمر التعديلات من التلفزيون الرسمي، فيما تَحفّظ «حزب الأمة القومي» على عدد الوزراء الذين طاولهم التغيير، معتبراً أن التعديل كان يفترض أن يتمّ بصورة أشمل، وفق مشروع العقد الاجتماعي المقدّم من قِبَل الحزب إلى رئيس الوزراء.
في المقابل، ثمة مَن ربط التعديلات الوزارية بقرب الإعلان عن التوصل إلى اتفاق سلام مع «الجبهة الثورية» التي تضمّ عدداً من الحركات المسلّحة. وفي هذا السياق، بدا لافتاً إخلاء وزارات سيادية كوزارة الخارجية، وأخرى بالغة الحساسية كالمالية والزراعة ولا سيما في الظرف الاقتصادي الضاغط الذي تعيشه البلاد. وبحسب بعض التسربيات، فإن «الجبهة الثورية» طالبت بثلاثة من مقاعد «كتلة السلام» في «المجلس السيادي»، وجميع مقاعدها في المجلس التشريعي، إلى جانب خمس وزارات. غير أن المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء، فائز السليك، نفى وجود علاقة بين التعديلات الوزارية والمفاوضات مع الحركات المسلحة، قائلاً إن «ما يتداوله البعض عن تسمية وزراء جدد ليس له أيّ قدر من الصحة».
وكان حمدوك مهّد لخطوته قبل نحو عشرة أيام، بالخطاب الذي ألقاه في ذكرى «30 يونيو»، حيث أعلن أنه سيتخذ قرارات حاسمة في مسار الفترة الانتقالية، وسيكون لبعضها أثر سياسي واقتصادي كبير، داعياً الجميع إلى تفويت الفرصة على بعض الجهات التي ستحاول استغلال القرارات التي سيعلنها من أجل «صناعة حالة من عدم الاستقرار». ورغم إدراكه أهمية حفظ التوازن بين مكوّنات الحكومة الانتقالية، وهو توازن هشّ وتَعرّض للكثير من الهزات سابقاً، إلا أن رئيس الوزراء لم يراعِ - بحسب مراقبين - هذه الخصوصية في قراره إعادة ترتيب الحكومة.