أثناء تسيير الدورية الروسية ـــ التركية المشتركة الرقم 21، دوّى انفجار كبير صباح أمس عند مدخل مدينة أريحا، في ريف إدلب الجنوبي، على الطريق الدولي حلب ـــ اللاذقية (M4). أصيبت في التفجير ثلاث آليات عسكرية على الأقل، اثنتان تركيتان وواحدة روسية كانت الهدف الأساسي للتفجير. جُرح ثلاثة عسكريين روس ونقلوا إلى قاعدة «حميميم». وبعدما أخلت القوات الروسية كامل قواتها ومعداتها من المنطقة، بدأت لأول مرة منذ توقيع «اتفاق موسكو» حملة جوية ومدفعية واسعة استهدفت مواقع المسلحين جنوبي M4، كما تركز القصف على منطقة جبل الأكراد وتلال كبينة في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي حيث تنتشر الفصائل التي ترفض الاتفاق، وأبرزها «حراس الدين»، وسائر فصائل غرفة «فاثبتوا». مباشرة اتهم «مركز المصالحة»، التابع لوزارة الدفاع الروسية، «المسلحين في إدلب» بالتفجير، قائلاً إن الدوريات توقفت، مضيفاً إن قيادة القوات الروسية في سوريا، بالتعاون مع الجيش التركي وأجهزة الاستخبارات السورية، «تؤكّد تورط مسلحي إدلب في الهجوم».برغم تبنّي مجموعة تطلق على نفسها «كتائب خطّاب الشيشاني» التفجير، فإن هذا الفصيل مجهول، وليس مهماً اسمه، لأن الجهات التي من المحتمل وقوفها خلف التفجير معروفة ومحددة، وعلى رأسها «حراس الدين» وفصائل «فاثبتوا» التي باشرت القوات الروسية استهداف مواقعها. ففي الأيام الماضية، شهدت المنطقة التي يمرّ فيها الطريق الدولي في ريف إدلب الجنوبي، انطلاقاً من بلدة ترنبة غربي مدينة سراقب، وصولاً إلى بلدة عين الحور في أقصى ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، حراكاً تركياً مكثفاً لتسهيل إتمام دورية أمس تحديداً. تقول مصادر عسكرية مطلعة، لـ«الأخبار»، إن «القوات التركية عملت على تنظيف الطريق وردم الحفر وإزالة السواتر، ونشر نقاط مراقبة كثيرة»، كما أن «الأتراك استقدموا، ليل أول من أمس، تعزيزات كبيرة نحو نقاطهم في ريف إدلب الجنوبي». وسبق أن وزع الجيش التركي قبيل الدورية منشورات على الأهالي في المنطقة يدعوهم فيها إلى التعاون معه ضدّ «الخونة». وسبقت هذه الإجراءات مرحلة كاملة عملت فيها أنقرة على تأمين الطريق، وتحييد الفصائل الرافضة «اتفاق موسكو». كما أوكلت مهمة إبعاد هذه الفصائل إلى «هيئة تحرير الشام» التي عمدت إلى «كسر» أي فصيل يخرج عن «الإرادة التركية».
أجبرت «تحرير الشام» مسلّحي «حراس الدين» على إخلاء سهل الغاب


حتى إن غرفة «الفتح المبين» أعلنت مناطق خطوط التماس مع الجيش السوري في محافظات حلب وإدلب وحماة واللاذقية شمال غرب سوريا «مناطق عسكرية مغلقة». وقالت الغرفة، التي تتزعهما «تحرير الشام»، إنّ «المناطق القريبة من خط الرّباط... عسكرية يمنع دخولها أو الاقتراب منها من دون التنسيق مع غرفة العمليات». بهذه الخطوة، نزعت الهيئة والفصائل المتعاونة معها «شرعية» وجود أي فصيل خارج عن سيطرتهم على خطوط التماس، وأعلنت حرباً على فصائل «فاثبتوا»، وقاتلتهم قبل نحو عشرة أيام، بعدما اعتقلت أبرز قادتهم (أبو مالك التلّي، أبو صلاح الأوزبكي...)، بل صفّت أبرز قادتهم عبر اغتيالهم بالطائرات التركية المسيّرة أو بالتصفية المباشرة (عزام الديري...). تعلّق مصادر ميدانية بأن «تحرير الشام استطاعت أيضاً إرغام مقاتلي حراس الدين على الانسحاب من منطقة سهل الغاب، والانتقال إلى جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، امتداداً نحو الحدود مع تركيا، لإبعاد خطرهم عن الدوريات المشتركة». وبهذا، يمكن القول إن الهيئة أعادت تنفيذ سيناريو 2014، عندما كان اسمها «جبهة النصرة»، وقضت على تشكيلات «الجيش الحر» كافة في إدلب، وأحكمت قبضتها.
كل الحراك المذكور، بالتعاون مع الفصائل المتعاونة، كان يدور في إطار تنفيذ تركيا تعهداتها أمام روسيا، وخاصة أن الأخيرة أبدت أكثر من مرّة «تململها» من الأداء التركي المتهاون والمتراخي مع الفصائل الرافضة للاتفاق، واستمرت بالضغط للتحرك عملياً لتأمين الطريق. وفق معلومات حصلت عليها «الأخبار»، عقد الطرفان في الشهر الأخير اتفاقاً «مرحلياً»، ضمن إطار «موسكو»، يقضي بأن «تبدأ الدوريات قطع كامل الطريق الدولي من ترنبة حتى بداية المناطق التي تخضع لسيطرة الجيش السوري في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، ابتداءً من الشهر الجاري، لمدة شهرين، ثم تبدأ القوافل المدنية والتجارية عبور الطريق». فكان المفترض أن تشكّل دورية أمس «فاتحة المرحلة الأخيرة من الدوريات قبل فتح M4 أمام المدنيين»، وفق تعبير مصدر عسكري رفيع. كما كان يُفترض أن «تعبر الدورية على طول الطريق الدولي ابتداء من ترنبة شرقاً حتى عين الحور غرباً، حيث تتوقف الآليات التركية، فيما تكمل الروسية طريقها إلى حميميم». ويختم المصدر بالقول: «كان (أمس) ليكون يوماً مفصلياً لو قُدّر للدورية النجاح بعبور كامل الطريق. إفشال هذا المخطط أثار جنون الروس، ودفعهم إلى عشرات الغارات المكثفة، كما حمّلوا المسؤولية لكل الفصائل في إدلب، وضمناً تركيا». هكذا، يضع حدث أمس موسكو أمام خيارين: أن تصعّد في وجه المسلحين وتعيد تزخيم العمليات العسكرية في إدلب، ما يعني عملياً تهديد «اتفاق موسكو»، أو أن تشدّد على التهدئة وتتمسك بالاتفاق، ثم تعيد التفاهم مع تركيا على موعد لدورية جديدة قد تنجح مهمتها... أو قد تتعرض للتفجير.