القاهرة | رغم الغارات على قاعدة «الوطية» الجوية بداية الشهر الجاري، التي خرجت من قاعدة عسكرية في مالي بدعم وتنسيق فرنسي غير معلن، فإن التدخل المصري الذي بات وشيكاً يأتي هذه المرة مدعوماً أوروبياً، خاصة من الرئيس الفرنسي إيمانول ماكرون، الذي هاتف نظيره المصري، عبد الفتاح السيسي عدة مرات، بعضها غير معلن، في الأيام القليلة الماضية، فضلاً عن التنسيق المتواصل بين أجهزة الاستخبارات في البلدين، التي تعمل على مراقبة ورصد التحركات التركية بدقة. لكن موقف البرلمان الليبي الذي يقيم عدد كبير من أعضائه في مصر، بدعوة القاهرة إلى التدخل العسكري في حال وجدت خطراً على الأمن القومي للبلدين، يُكسب السيسي قوة إضافية، خاصة مع غياب ممانعة أوروبية للتدخل، ليس من فرنسا فقط، بل من إيطاليا التي سئمت، كما تنقل مصادر مصرية، سلوك رئيس حكومة «الوفاق الوطني»، فائز السراج، بعدما وعد روما بإجراءات كثيرة، منها تقديم تنازلات لبدء المفاوضات السياسية، لكنه لم يلتزم بها بسبب تواصله المباشر مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.حتى الآن القرار المصري هو التدخل في «الوقت المناسب وبالآلية المناسبة» التي تمكّن البلاد من تحقيق الردع. أما المستجد، فهو مدى تجاوز المعدات العسكرية التي توردها أنقرة إلى ليبيا الحدّ الآمن بالنسبة إلى القاهرة، خاصة أن الأخيرة «لن تسمح بإقامة أنظمة دفاع صاروخية تركية أو أميركية على الأراضي الليبية من أجل الدفاع عن حكومة الوفاق»، إضافة إلى الخط الأحمر السابق الذي أعلنه السيسي، وهو أي محاولات للسيطرة على سرت والجفرة. كما أن المخابرات المصرية تجري حالياً اتصالات مكثفة مع الأطراف الليبيين المتعددين، بمن فيهم «الوفاق»، رغم تراجع درجة التنسيق معها أخيراً، بل وصلتها رسائل تهديد مصرية واضحة بـ«السحق» لمن يحاول مخالفة الوضع الحالي من أجل تحقيق مكتسبات في الحل السياسي في النهاية، مع «نصيحة» بالتفاوض في أقرب وقت، عبر أي وجهة تراها طرابلس مناسبة، أوروبياً أو عربياً، باستثناء تركيا.
يرصد المصريون تغيّراً في الموقف الإيطالي من «الوفاق»


وفق المصادر ذاتها، ترصد الأقمار الاصطناعية وصول معدات عسكرية تركية بصورة كثيفة خلال الأيام الماضية، ولا سيما مع بدء مناورات «حسم 2020» التي ينفذها الجيش المصري على الحدود الليبية، في ظروف تشبه جغرافياً، إلى درجة التطابق، المناطق في سرت والجفرة، التي يحتمل فيها التدخل البري، إلى جانب تدريب القوات التابعة لحفتر خلال المناورات الجارية، خاصة مع الإدراك المصري استحالةَ مواجهة تلك القوات بمفردها للتدخلات التركية. وعلى مدار الأيام الماضية، حرصت «إدارة الشؤون المعنوية» في الجيش على توجيه رسائل عبر منصات الإعلام الرسمي، تؤكد فيها قدرة الجيش على التدخل والسيناريوات التي جرى التدريب عليها، بما فيها استهداف لسفن بحرية بصواريخ بحرية وليس بغارات جوية فقط، فيما تقابل ذلك المناورات العسكرية التركية على الحدود الليبية.
على صعيد صنع القرار، تتعامل القاهرة بـ«منتهى الجدية»، كما تنقل المصادر، مع المواقف التركية المعلنة والأفعال على الأرض، ولا يقتصر ذلك على مراقبة ما يصدر من تصريحات رسمية، بل يمتد إلى جمع معلومات بمساعدة فرنسية في ما يتعلق بحركة السفن التي تنطلق من تركيا في البحر المتوسط وطبيعة سير كل سفينة، وهو ما جرى بمساعدة إيطالية أيضاً عبر جهات استخبارية تنسق مع «المخابرات الحربية» المصرية. واقتناع القاهرة حالياً أن المواجهة ستكون حتمية، لكن يجب التعامل معها لتكون الاشتباكات من دون خسائر مباشرة لدى الطرفين، المصري والتركي، حتى لا تزيد تعقيد الموقف، وهو أمر تسعى الدولة إلى تحقيقه عبر التنسيق المصري ــ الأوروبي، فضلاً عن إطلاق التحذيرات، خاصة أن التقارير من ليبيا ينقصها بعض المعلومات عن هوية الوافدين إلى طرابلس وطبيعة عمل غالبيتهم، وهل هم ضباط وجنود في الجيش التركي أم مرتزقة جرى نقلهم من سوريا. كذلك، تسعى القاهرة إلى تجنب الصدام المباشر مع غالبية القبائل، حتى المعارضة لحفتر، بل تريد احتواءها والتنسيق معها من بوابة أن دعم حفتر هو من منطلق دعم الدولة الليبية وليس له أي أهداف سياسية كي يصل الرجل إلى الحكم، بل إن مصر عرضت ألا يخوض المشير الحياة السياسية أو يترشح للانتخابات إذا كان هذا يرضي القبائل، وهو ما جرت مناقشته مع مقرّبين من المشير.