في وقت تكافح فيه سوريا من أجل التغلّب على تبعات الحصار الغربي المفروض عليها، والذي تمّ تشديده أخيراً بإدخال قانون «قيصر» الأميركي حيّز التنفيذ، شهدت البلاد، أمس، عملية انتخابية هي الثالثة من نوعها منذ بدء الأزمة عام 2011. وأدلى الناخبون بأصواتهم في أكثر من سبعة آلاف مركز اقتراع، منها مراكز تُفتَتح للمرة الأولى في مناطق كان الجيش السوري استعاد السيطرة عليها في خلال العامين الماضيين. ولم يُسجّل، أثناء الفترة الواقعة بين الساعة السابعة صباحاً (موعد فتح صناديق الاقتراع) والثالثة عصراً، إقبال كبير على التصويت في الانتخابات التشريعية التي يتنافس فيها أكثر من 1600 مرشح على 250 مقعداً في مجلس الشعب (البرلمان)، ولكن في الساعات الأخيرة سُجّلت «زيادة في إقبال المواطنين على المشاركة»، بحسب ما أعلن رئيس اللجنة القضائية العليا للانتخابات سامر مرزيق، وهو ما دفع اللجنة إلى تمديد فترة الاقتراع أربع ساعات، حتى الساعة الحادية عشرة ليلاً. وسُجّلت الكثافة الأكبر في صفوف القوات المسلّحة بمختلف صنوفها، والتي خُصّص لها أكثر من 1400 مركز اقتراع، من بينها واحد في مبنى القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة، حيث أدلى وزير الدفاع علي أيوب بصوته.
كذلك، أدلى الرئيس بشار الأسد وزوجته أسماء الأسد بصوتيهما في المركز الانتخابي في وزارة شؤون رئاسة الجمهورية، فيما أدلى كلّ من رئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس ووزير الخارجية وليد المعلم بصوته في مبنى وزارة الخارجية والمغتربين. ووصف عرنوس الانتخابات بأنها «نصر سياسي يضاف إلى النصر العسكري»، في حين اعتبر المعلم أن «هذا الاستحقاق الدستوري يؤكد أن الشعب السوري مصمّم على تحرير أرضه من كلّ وجود أجنبي غير شرعي ومن الإرهاب». وفي إطار حضور المسؤولين السياسيين أيضاً، بدت لافتة مشاركة رئيس الوزراء المُقال، عماد خميس، في التصويت، بعد الأنباء عن وضعه في الإقامة الجبرية والتحقيق معه في تهم فساد.
وعلى رغم الإجراءات الوقائية التي اتخذتها الجهات المنظّمة، إلا أنه بدا واضحاً أن الخشية من فيروس «كورونا» أثّرت سلباً على نسبة المشاركة (بلغت في 2016 حوالى 57%)، علماً بأن الاقتراع كان أُجّل مرتين منذ نيسان/ أبريل الماضي بسبب تفشّي الفيروس في البلاد. ولعلّ أكثر ما بدا لافتاً في هذه الانتخابات ظاهرتان: الأولى تمثّلت في عملية «الاستئناس» التي اختير من خلالها مرشحو حزب «البعث» الحاكم بالتصويت وليس بالتعيين، للمرة الأولى في تاريخ الحزب، كما تركت حرية الاختيار للمحازبين في الاقتراع من عدمه، والثانية هي التغطية الإعلامية الواسعة وغير المسبوقة، وهو ما أسهم في تزخيم الحدث داخلياً، على رغم غياب الكثير من وسائل الإعلام الخارجية هذه المرة.