الخرطوم | على الرغم من نفي وزارة الخارجية السودانية علمها بوجود مفاوضات مع إسرائيل تمهيداً لتطبيع العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب، تتكاثر التسريبات المؤكّدة حصول مفاوضات من ذلك النوع. وكان المتحدّث السابق باسم الوزارة، حيدر البدوي، أثار بتصريحاته الداعية إلى التطبيع ردود فعل واسعة داخل السودان وخارجه، فيما سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى تلقّف تلك التصريحات بالحديث عن «الفوائد» التي سيجنيها الطرفان من جعل علاقاتهما عادية، قبل أن يتدخّل وزير الخارجية السوداني المكلّف، عمر قمر الدين إسماعيل، وينفي صحة تصريحات البدوي ويعفيه من منصبه.وإذ برّر المتحدّث المقال، الذي تشير تصريحاته وكتاباته في عدد من الوسائط إلى وجود اتصالات مستمرّة بين الخرطوم وتل أبيب، ما أقدم عليه أخيراً، بأنه نوع من الشفافية أراد من خلاله إعلام الشعب بما تقوم به حكومته، وأيضاً إيصال رسالة احتجاج على تغييب وزارة الخارجية من قِبَل مجلس السيادة عن هذا الملف الحسّاس، وفق قوله، لم يستبعد محلّلون أن يكون هو نفسه حلقة الوصل الجديدة مع الكيان الإسرائيلي، بعد وفاة الناشطة نجوى قدح الدم، مهندسة اللقاء بين رئيس «مجلس السيادة» عبد الفتاح البرهان ونتنياهو، مطلع العام الجاري. كما لم يستبعدوا وجود اتفاق بين البرهان والبدوي على التصريحات السودانية الأخيرة في شأن التطبيع. هذا ما يذهب إليه المحلّل السياسي، حاج حمد، لافتاً إلى أن «القطاع المدني كلّه لا يعلم بما يجري في هذا الإطار». ويُبيّن حمد، في حديث إلى «الأخبار»، أن الإسرائيليين كانوا ولا يزالون، في محاولتهم النفاذ إلى الواقع السوداني، يطرقون باب الأجهزة الأمنية والجيش، موضحاً أن «هذه الأجهزة كانت تربطها، في إطار الحرب على الإرهاب، علاقات مع السي آي إيه، وبالضرورة مع الموساد، فهناك اتفاقية لتبادل المعلومات مع الموساد»، مضيفاً أن «مدخلات التصنيع الحربي يتمّ إدخالها عن طريق شركات في الإمارات يمتلكها جهاز الموساد». ويتابع أن «البرهان، الذي يُعدّ امتداداً للعسكر، أخرج - بلقائه مع نتنياهو - إلى العلن ما كان يتمّ في الخفاء في العهد السابق على أيدي رؤساء الأجهزة الأمنية كصلاح قوش ومحمد عطا، وهو أراد بذلك فرض سياسة الأمر الواقع». ويعيب حمد على النخبة السياسة تعاملها مع خطوة البرهان باستخفاف، «وكأنها تصرّف فردي»، مؤكّداً أن «السودان لن يجني شيئاً من التطبيع مع إسرائيل» التي «لا تُوزّع الهبات على المطبّعين، وإلّا لكانت مصر أوّل المستفيدين».
أعلن العديد من الأحزاب رفضه أيّ تطبيع أو تقارب مع إسرائيل


وفي الاتجاه نفسه، يجزم الأمين السياسي لـ»حزب المؤتمر الشعبي»، إدريس سليمان، في تصريح إلى «الأخبار»، بأن «السودان لن يستفيد من التطبيع مع إسرائيل شيئاً، بل سيخسر كلّ شيء؛ سيخسر مواقفه التاريخية والأخلاقية ولن يكسب شيئاً»، مُنبّهاً إلى أن «الكيان الصهيوني يأخذ ولا يعطي، وإسرائيل لن تُغيّر استراتيجيتها لأن أحداً ما طَبَّع معها، إسرائيل استراتيجيتها الأساسية إضعاف العالم العربي وتقسيمه، والسودان يُعتبر من الأولويات لديها في هذا الإطار». ويعتبر سليمان أنه «عوضاً عن ضرب السودان من الخارج، الآن يراد بدعاوى التطبيع ضرب القلعة من الداخل، لأن السودان بلد كبير ويمتلك موارد كبيرة، وفي حال أصبح دولة قوية سيؤثر في موازين القوى في المنطقة، وهو ما تخشاه إسرائيل». ويختم بالتشديد على «(أننا) ضدّ التطبيع وضدّ أيّ اتفاق مع الكيان الصهيوني»، وأن هذه الدعوات «تناقض طبائع الشعب السوداني ومواقفه».
وفيما أعلن «الحزب الشيوعي السوداني» رفضه أيّ تطبيع للعلاقات بين السودان وإسرائيل، ووقوفه مع حقّ الشعب الفلسطيني، أصدر حزبا «البعث» و»المؤتمر الشعبي» بياناً مشتركاً رفضا فيه «بشدّة أيّ محاولات للتقارب أو التطبيع مع الكيان الصهيوني المغتصب». من جهته، اعتبر «حزب الأمة القومي» أن من غير المقبول طرح قضية التطبيع من قِبَل الحكومة الانتقالية، على اعتبار أن «بتّ المسائل الوطنية الخلافية من اختصاص الحكومات الوطنية المنتخبة»، وأن «أيّ علاقة مع إسرائيل في ظلّ عدم استرداد الأراضي العربية المحتلة وفق تسوية مقبولة لا مبرّر لها». ويعبّر موقف «الأمّة القومي» عن رأي شريحة سياسية لا يبدو أنها ترفض أصل التطبيع، بقدر ما تعتقد أن طرحه بغياب مجلس تشريعي - هو المُخوّل بتّه - أمر غير مقبول. وعليه، لا تمانع هذه الشريحة، إلى حين تشكيل المجلس التشريعي، أن تتعاطى الحكومة الانتقالية مع التحرّكات الإقليمية في هذا الإطار، من دون أن تتّخذ قراراً. وإلى أبعد من ذلك يذهب بعض الأوساط بالحديث عن أن «من حق السودان البحث عن مصالحه بعيداً من أيّ اصطفاف عربي»، في حين يظهر أن ثمّة شريحة ثالثة تتعامل مع الأمر بلا مبالاة، متذرّعة بالأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تُمسك بخناق المواطن ولا تترك له فرصة للتفكير في قضايا أبعد من لقمة عيشه، بل هي تدّعي أن التطبيع ربّما يمثل «طوق نجاة» من الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا