الخرطوم | غادر وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الأراضي السودانية، خالياً من وعود علنية - على الأقلّ - في ما يخصّ التطبيع مع تل أبيب، لكن في الوقت نفسه مُحمّلاً بـ»خروقات» ربّما تضع الملف على السكّة قريباً؛ إذ أبلغ رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، الزائر الأميركي، أن ملف التطبيع يتعدّى التفويض الممنوح للحكومة الانتقالية بموجب الوثيقة الدستورية، وأن حسم القضية لا يمكن أن يتمّ قبل اكتمال أجهزة الحكم الانتقالي. وفي ما بدا أنه مناورة سياسية، دعا حمدوك الإدارة الأميركية إلى الفصل بين عملية رفع اسم السودان من «قائمة الإرهاب» وملفّ التطبيع مع إسرائيل. وفي هذا الإطار، يرى محلّلون أن الحكومة أرادت أن تضمن المكاسب التي ستجنيها من التطبيع قبل الإعلان عن المضيّ قُدُماً فيه، خصوصاً لجهة انتزاع وعود من الجانب الأميركي بدعم الحكومة المدنية اقتصادياً حتى تتمكّن من العبور إلى نهاية الفترة الانتقالية. ولذا، ترك حمدوك الباب موارباً، وعلّق مسألة التطبيع على اكتمال هياكل السلطة الانتقالية .وكان رئيس الوزراء استبق زيارة بومبيو باجتماع مع «ائتلاف الحرية والتغيير» - الداعم السياسي للحكومة - أول من أمس، استمرّ عشر ساعات، لبحث عدد من الملفات المهمة والعاجلة، ومن بينها التوافق على أجندة لقاء حمدوك - بومبيو. واتفق المجتمعون على تأكيد حق الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه ونيل الحياة الكريمة عليها، والتشديد على أن التطبيع ليس من صلاحيات الحكومة الانتقالية المحكومة بالوثيقة الدستورية، والدعوة إلى مواصلة الحوار مع الولايات المتحدة الأميركية بشأن رفع اسم السودان من «قائمة الدول الراعية للإرهاب»، وإلغاء العقوبات المفروضة عليه. وبدا لافتاً، بالنسبة إلى المراقبين، أن يتمّ التوافق مع كلّ القوى السياسية مسبقاً على الموقف الذي ستتخذه الحكومة، التي لم تمتنع عن المجاهرة، في بيانها الرسمي، بأن ثمة «طلباً أميركياً بالتطبيع مع إسرائيل»، ما يعني أن واشنطن رمت بثقلها في هذا الملف.
أحالت الحكومة ملف التطبيع إلى حين تشكيل البرلمان وليس قيام سلطة منتخبة


وظهر أن وزير الخارجية الأميركي كان مطمئناً إلى أنه سيعود من السودان وفي جيبه صكّ موافقة الحكومة السودانية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، إذ إنه غرّد أثناء رحلته من تل أبيب إلى الخرطوم بالقول: «يسعدنا أن نعلن أننا على متن أول رحلة رسمية مباشرة من إسرائيل إلى السودان». لكن سلّة بومبيو لم تخرج بالثقل الذي أراده، بعد إعلان حمدوك أن «المرحلة الانتقالية يقودها تحالف عريض بأجندة محدّدة، لاستكمال عملية الانتقال وتحقيق السلام والاستقرار في البلاد، وصولاً لقيام انتخابات حرّة». لكن ما بدا لافتاً هو إرجاء ملف التطبيع إلى حين اكتمال هياكل السلطة الانتقالية، في إشارة إلى تشكيل المجلس التشريعي، وليس إلى حين تكوين حكومة منتخبة يختارها الشعب بعد قيام انتخابات حرّة في نهاية الفترة الانتقالية. وهذا ما دعا محلّلين إلى الاعتقاد بأن قضية التطبيع ستُحسم قريباً. وفي هذا الإطار، يعتبر الخبير في القانون الدولي، أحمد المفتي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «بيان مجلس الوزراء جعل بتّ ملف التطبيع من اختصاصات المجلس التشريعي الانتقالي، وليس من اختصاص مؤسسات الدولة المنتخبة بعد انتهاء الفترة الانتقالية، وهذا يعني أن موضوع التطبيع سيطلّ برأسه قريباً». وانطلاقاً من ذلك، بدا بومبيو مستعجلاً تشكيل المجلس التشريعي، والذي وصفه بأنه «خطوة حاسمة في المرحلة الانتقالية»، التي تريد واشنطن استغلالها بطرح ملف التطبيع أمام الحكومة الحالية ونزع اعتراف منها بإسرائيل، لا الانتظار إلى حين تأليف حكومة جديدة لن تكون علاقاتها الخارجية مضمونة.
وعلى رغم توتر العلاقة بين رئيس «مجلس السيادة»، عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء، نتيجة مطالبة الأخير بأن تؤول الاستثمارات التابعة للجيش إلى وزارة المالية، إلا أن الإثنين تجاوزا خلافاتهما، وإن بصورة مؤقتة، وعقدا اجتماعاً للاتفاق على الأجندة التي سيدفعان بها على طاولة المباحثات مع وزير الخارجية الأميركي. وطالب البرهان، لدى لقائه بومبيو، الولايات المتحدة برفع اسم السودان من «قائمة الدول الراعية للإرهاب»، في ظلّ «التحول الديمقراطي الذي تشهده البلاد والانفتاح على العالم الخارجي»، فيما حضّ بومبيو، البرهان، على «الاستمرار في دعم الحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون»، وأكّد لحمدوك أن رفع السودان من «القائمة السوداء» «يُمثّل أولوية لكلا البلدين».
إلى ذلك، حضرت قضية دارفور في مباحثات وزير الخارجية الأميركي في الخرطوم. وبحسب بيان صادر عن مجلس الوزراء، فإن بومبيو ناقش مع حمدوك «دعم واشنطن لعملية السلام، وجهود تحقيق الاستقرار في دارفور وبقية المناطق التي تشهد نزاعات»، فضلاً عن «إجراءات حماية المدنيين» هناك.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا