وقّع قادة حركات سودانية متمرّدة ومسؤولون في الحكومة السودانية رسمياً بالأحرف الأولى، الاثنين، على اتفاق سلام «تاريخي» ينهي نزاعات في مناطق عدة، لا سيما في إقليم دارفور حيث تسبب القتال منذ 17 عاماً بمئات آلاف القتلى.وأقيمت مراسم توقيع رسمية في جوبا برعاية رئيس جنوب السودان سالفا كير، وقع فيها الاتفاق عن الجانب الحكومي رئيس الوفد الحكومي محمد حمدان دقلو (المعروف بحميدتي)، نائب رئيس «مجلس السيادة» الذي يترأس «قوات الدعم السريع» المتّهمة بارتكاب جرائم في مناطق النزاعات، وقادة أربع حركات متمرّدة مجتمعة ضمن تحالف «الجبهة الثورية السودانية».
وتناولت التواقيع على التوالي إقليم دارفور الذي اندلع في 2003 وتسبب في السنوات الأولى بمقتل 300 ألف شخص على الأقل و2.5 مليون نازح، ثم جنوب كردفان والنيل الأزرق حيث تأثر بالنزاع أكثر من مليون شخص.
وانتقل عدد كبير من المسؤولين السودانيين إلى جوبا على رأسهم رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الحكومة عبد الله حمدوك، للمشاركة في الاحتفال بأول «إنجاز كبير» منذ تنحية الرئيس السابق عمر البشير في نيسان 2019.
وسلّم قادة الحركات المتمردة على دقلو بالأيدي، ورقصوا معاً لوقت قصير على وقع الموسيقى. كما وقّع مسؤولون سياسيون وقبليون على اتفاقات أخرى تتعلق بالتنمية في مناطق عدة. وحضرت الاحتفال وفود إماراتية وسعودية ومن دول أفريقية.
ونشأت «الجبهة الثورية السودانية» في عام 2011 وتتألف من أربع حركات وقعت على الاتفاق. وكانت الحركات المعنية والحكومة السودانية وقعت بالأحرف الأولى خلال الأيام الماضية على البروتوكولات التي يتألف منها الاتفاق.
والحركات الأربع هي: حركة تحرير السودان/ جناح مني مناوي، وحركة العدل والمساواة، والمجلس الثوري الانتقالي، والحركة الشعبية لتحرير السودان/ جناح مالك عقار.
وتمّ التوقيع بالأحرف الأولى فقط، لأن المتفاوضين يسعون إلى ضمّ حركتين كبيرتين لم تشاركا في الاتفاق، وهما: حركة جيش تحرير السودان/ جناح عبد الواحد نور، التي لم تدخل في المفاوضات، والحركة الشعبية لتحرير السودان/ جناح عبد العزيز الحلو، التي تقاتل في جنوب كردفان والنيل الازرق، والتي علّقت التفاوض مع الحكومة قبل أيام لاعتراضها على ترؤس دقلو للمفاوضات.
وقال حمدوك خلال الاحتفال: «ندرك أن هذا السلام فتح باباً صعباً وطويلاً، ولكننا ملتزمون بتنفيذ الاتفاق كاملاً». وأضاف: «رسالتي اليوم إلى الحركة الشعبية/ شمال بقيادة القائد عبد العزيز الحلو وحركة جيش تحرير السودان بقيادة القائد عبد الواحد نور، نحن في انتظارهم. في هذا الاتفاق أغلب القضايا تمت مناقشتها. يجب أن تنضموا إلى مسيرة السلام لنحقق سلاماً شاملاً للسودان».
وقال المتحدث باسم الحكومة السودانية فيصل محمد صالح، على هامش الاحتفال لوكالة «فرانس برس»: «نعرف أننا سنواجه بضع مشاكل عندما نبدأ بالتنفيذ على الأرض، لكن لدينا إرادة سياسية بأن ينجح تطبيق» الاتفاق. وأضاف «نعتقد أننا بدأنا التغيير الحقيقي في السودان من دكتاتورية الى الديموقراطية».

عام من التفاوض
استغرقت المفاوضات سنة كاملة. وأدرك الأطراف بعد فشل اتفاقات عدة لوضع حدٍّ خصوصاً للنزاع في دارفور، ومنها اتفاق أبوجا في 2006 واتفاق 2010 في قطر، أن الأمر لا يتعلق فقط بالمسائل الأمنية، بل يجب الذهاب الى عمق المشاكل التي يعود بعضها الى استقلال البلاد في 1956.
وكان ممثلو الأطراف المختلفة وقّعوا خلال الأيام الماضية بالأحرف الأولى من أسمائهم على ثمانية بروتوكولات تشكل اتفاق السلام وتتناول: الأمن وقضية الأرض والحواكير والعدالة الانتقالية والتعويضات وجبر الضرر وبروتوكول تنمية قطاع الرحل والرعاة وتقسيم الثروة وبروتوكول تقاسم السلطة وقضية النازحين واللاجئين.
وينص الاتفاق على ضرورة تفكيك الحركات المسلحة وانضمام مقاتليها إلى الجيش النظامي الذي سيعاد تنظيمه ليكون ممثلاً لجميع مكونات الشعب السوداني.
وتحكم السودان منذ أكثر من سنة حكومة انتقالية هي ثمرة اتفاق بين العسكريين الذين أطاحوا بعمر البشير، وقادة الاحتجاج الشعبي ضده، الذي تواصل لأشهر بعد سقوطه للمطالبة لحكم مدني. وحُدّدت المرحلة الانتقالية بثلاث سنوات تنتهي بتنظيم انتخابات حرة.
وجعلت الحكومة الانتقالية من السلام أولوية، لا سيما أن عدداً من الحركات المتمردة شارك في الحركة الاحتجاجية.
وقال مالك عقار بعد انتهاء مراسم التوقيع في كلمة ألقاها «أعلن من هذا المنبر نهاية الحرب (...) وأدعو جناح عبد الواحد نور وجناح عبد العزيز الحلو الى عدم تفويت الفرصة التي صنعها شعب السودان».

أبرز محطات النزاع في إقليم دارفور
شمل الاتفاق اليوم، النزاع القائم في إقليم دارفور، غربي السودان، منذ عام 2003. وأسفر النزاع، بحسب الأمم المتحدة، عن نحو 300 ألف قتيل وشرد 2,5 مليون آخرين، أغلبهم خلال سنوات النزاع الأولى. كما يشمل الاتفاق جنوب كردفان والنيل الأزرق.
وفيما يلي نظرة إلى تاريخ النزاع هناك:
- في 26 شباط 2003 بدأ تمرد أقليات عرقية في دارفور ضد نظام الخرطوم. وسيطر المتمردون على مدينة غولو في ولاية شمال دارفور.
- في آذار طالبت حركة العدل والمساواة وحركة/ جيش تحرير السودان بتقاسم أكثر عدالة للسلطة والثروات.
- نهاية 2007 انتشرت قوة سلام مشتركة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لتحلّ محلّ قوة أفريقية كانت شكلت عام 2004.
- في أيار 2008 شنت حركة العدل والمساواة هجوماً غير مسبوق على مدينة أم درمان المجاورة للخرطوم أسفر عن أكثر من 220 قتيلاً.
ـ في 2009 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، ثم أصدرت في 2010 مذكرة توقيف بتهمة ارتكاب إبادة.
- بعد أشهر من الهدوء تجددت المعارك نهاية 2010 إثر إسقاط اتفاق وقع عام 2006 مع فصيل في حركة تحرير السودان. وأحصت الأمم المتحدة سقوط أكثر من 2300 قتيل في عام.
- في تشرين الثاني 2011 صادقت أبرز الفصائل المسلحة في دارفور مع فرع الشمال في التمرد الجنوبي السابق على وثيقة تنص على قيام جبهة ثورية بهدف إسقاط النظام. واتهمت الخرطوم حركة العدل والمساواة بالتحالف مع دولة جنوب السودان التي أعلنت استقلالها في 2011 والتي تدعم، وفق الخرطوم، متمردين مسلحين في جنوب كردفان والنيل الأزرق. لكن جوبا نفت.
- في آذار 2014، نددت الأمم المتحدة بالقيود التي فرضت على الطواقم الإنسانية في دارفور وازدياد عدد النازحين: 215 ألفاً في العام المذكور، علماً بأن المخيمات تؤوي أصلاً نحو مليونين. وفي تشرين الثاني، طالب عمر البشير بـ«برنامج واضح» لانسحاب القوة المشتركة وسط تدهور العلاقات معها على خلفية قيام الجنود الدوليين بتحقيقات في اتهامات بعمليات اغتصاب جماعية ارتكبها جنود سودانيون.
- في نيسان 2016 أدى استفتاء مثير للجدل إلى استمرار تقسيم دارفور إلى خمس ولايات. وأعلنت الحكومة في حزيران وقفاً أحادياً لإطلاق النار. وفي آب، فشلت مفاوضات بين السلطات والمتمردين في شأن وقف الأعمال القتالية في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان. وفي السابع من أيلول أعلن البشير رغم ذلك عودة السلام إلى دارفور. نهاية أيلول، اتهمت منظمة العفو الدولية الخرطوم بشن هجمات كيميائية أسفرت عن مقتل مدنيين في غرب السودان، لكن السلطات نفت.
- في 22 كانون الأول 2019، أعلن القضاء السوداني فتح تحقيق في جرائم ارتكبت في دارفور ابتداء من 2003 طاول قادة في نظام البشير السابق.
- في 24 كانون الثاني 2020 وقّع تحالف يضم تسع مجموعات متمردة من منطقتي نزاع في السودان اتفاقاً مبدئياً مع الحكومة السودانية بعد محادثات استمرت أسابيع شكلت خطوة أساسية على طريق التوصل إلى اتفاق سلام نهائي. وكانت المحادثات بدأت في جنوب السودان في تشرين الأول بهدف وضع حدّ للنزاعات في ولايات دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
- في 11 شباط، أكد عضو في مجلس السيادة في السودان الذي تم تشكيله في آب 2019 للإشراف على الانتقال السياسي، أن عمر البشير سيسلم للمحكمة الجنائية الدولية. وفي 9 حزيران، أعلنت المحكمة الجنائية الدولية أن علي كوشيب، زعيم ميليشيات الجنجويد المطلوب منذ عام 2007، سلّم نفسه ويواجه تهماً بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية على خلفية دوره في النزاع الدامي في إقليم دارفور.
- في 16 تموز، بدأت الحكومة والمتمردون المرحلة الأخيرة من محادثات السلام، التي تركزت على إنشاء جيش موحد. وفي 28 آب، دعت البعثة المشتركة الخرطوم إلى نشر قوات الأمن «بأسرع ما يمكن» في دارفور بعد سلسلة من عمليات القتل.