بغداد | أظهرت الانتخابات التشريعية الأخيرة (2018) في العراق وجود جيلَين سياسيَّين لدى «النخب السنّية»: أحدهما يملك أوراق الشباب والحداثة، والآخر يمثّل الحرس القديم المؤسِّس للنظام السياسي ما بعد عام 2003. وعلى رغم أن «الساحة السنّية» أفرزت كتلاً وزعامات عدّة، أبرزها «تحالف القوى العراقية» (أكبر تلك الكتل بقيادة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي)، و«جبهة الإنقاذ والتنمية» (بزعامة أسامة النجيفي)، فضلاً عن «تحالف المدن المحرّرة» (برئاسة الأمين العام لـ«المشروع العربي» رجل الأعمال خميس الخنجر)، إلّا أن كتلة الحلبوسي رأت أنها الأحقّ في تصدّر هذه الساحة؛ بوصفها الأكبر «سنّياً» تحت قبّة البرلمان.
ربما أراد الحلبوسي من تحالفه مع الخنجر تحصين نفسه من أيّ حراك ضده

على أنه في الـ20 من تموز/ يوليو الماضي، سُجّل تحوّل بارز في الخارطة السياسية لـ«القوى السنّية»، تَمثّل في تشكيل ائتلاف جديد برئاسة الخنجر (يُعدّ الأخير أحد أبرز وجوه «تحالف البناء»، إلى جانب هادي العامري ونوري المالكي وفالح الفيّاض). وضمّت الكتلة الجديدة بداية أعضاء كانوا في «تحالف القوى العراقية» (بزعامة الحلبوسي سابقاً)، قبل أن يرتفع عدد الملتحقين بها إلى 25 نائباً. وعن هذا التحالف الوليد تقول مصادر سياسيّة مطّلعة، في حديث إلى «الأخبار»، إنه في مساء التاريخ المذكور آنفاً، عُقد اجتماعٌ في منزل الخنجر، حضره بعض النواب، فيما شارك فيه آخرون عبر «سكايب». وتضيف المصادر أن الاجتماع أفضى إلى اتّفاق على نقاط عدّة أبرزها:
1- العمل على توحيد «القوائم السنّية» في أيّ انتخابات تشريعية مبكرة.
2- حصر الترشيح لرئاسة «الوقف السنّي» بـ«المجمّع الفقهي العراقي»، لقطع الطريق أمام التنافس السياسي على هذا المنصب.
3- السعي لتوحيد كلمة «القيادات السنّية» في مناقشة ملفّ التوازن في التعيينات الأمنية وفي الهيئات والمؤسسات المدنية.
4- الاتفاق على مخاطبة الحكومة من أجل التسريع في عودة النازحين، واستغلال الموقف الدولي تجاه ما يُسمّى «السلاح المنفلت» من أجل معالجة الوضع في المحافظات المُحرّرة.
5- إلزام الحكومة إعادة دمج بعض عناصر «الصحوات» في المؤسسات الأمنية، مع إمكانية ربطهم بـ«الحشد العشائري»، أو إعادتهم إلى مواقعهم، لكن تحت قيادة القائد العام للقوات المسلّحة.
6- الضغط لحصر منصب نائب رئيس الجمهورية بـ«الكتل السُنّية».
7- تعهّد الحلبوسي بإيقاف حملة استهداف «القيادات السنّية»، وتوحيد الخطاب الإعلامي لتلك القيادات.
هذه التفاهمات جرى التوصّل إليها بغياب بعض نوّاب محافظة نينوى، وهو ما جعل الأخيرين يرون فيها محاولة لحصر «القيادة السنّية» بمحافظة الأنبار فقط، مسقط رأس الحلبوسي. ويشير هؤلاء إلى أن الاتفاق كان محصوراً بداية مع نوّاب «المشروع العربي»، بهدف تشكيل كتلة نيابية تحت اسم «نواب المحافظات المحرّرة»، لكنّهم فوجئوا بذهاب الخنجر إلى الحلبوسي، ومن ثمّ تحالفه معه من دون أيّ نقاش معهم. على أن هذا الرفض لن يحول، على ما يبدو، دون فتح قنوات تواصل مع القيادة الموحّدة الجديدة مُمثلّة، من جهة، بالخنجر المقرّب من طهران، ومن جهة ثانية بالحلبوسي المتناغم مع السعودية والإمارات.
وبالعودة إلى بنود التفاهمات، يشير مصدر سياسي، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أنه إذا أوفى الحلبوسي بكلّ ما تقدّم من التزامات موقّعة مع الخنجر، فيجب على نواب كتلة الأخير «أن لا يكونوا جزءاً من أيّ إجراء يستهدف إبعاد الحلبوسي عن منصب رئاسة البرلمان مستقبلاً». وتنبئ خطوات الحلبوسي، ومن بينها انشقاقه عن «حزب الحلّ» (بزعامة جمال الكربولي)، بأنه على استعداد للمضيّ في مشروع تغيير «الخارطة السياسية السُنّية»، مع ما يقتضيه ذلك من إبعاد الوجوه القديمة التي تصطفّ غالبيتها خلف رئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي. في المقابل، تنظر كتل سياسية، كـ«جبهة الإنقاذ والتنمية»، إلى الحلبوسي بوصفه «فاشلاً» في إدارة الهيئة التشريعية، ما يبرّر من وجهة نظرها الإطاحة به. ومن هنا، يسود اعتقاد بأن الحلبوسي بادر إلى التحالف مع الخنجر من أجل تحصين نفسه من أيّ حراك ضدّه.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا