أعلنت «هيئة البثّ الإسرائيلية»، في الثامن من أيلول/ سبتمبر الجاري، أن وفداً تشادياً وصل سرّاً إلى الأراضي الفلسطينية المحتلّة، ليلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير استخباراته إيلي كوهين. وأشارت «الهيئة» آنذاك إلى أن الوفد التشادي ضمّ عبد الكريم ديبي، نجل الرئيس إدريس ديبي، ومستشار الأمن القومي التشادي، ومسؤولين في المجال الاستخباراتي. وبحسب ما ذكرت وسائل الإعلام العبرية، فقد بحث الزائرون «مواضيع تتعلّق بتعزيز التعاون الاقتصادي بين إسرائيل وتشاد»، فيما أشار بيان صادر عن وزارة الاستخبارات الإسرائيلية إلى أن ديبي أعرب عن استعداده لافتتاح بعثة رسمية لإنجامينا في القُدس المحتلّة، بناءً على طلب كوهين. أعادت هذه التطوّرات تساؤلات كثيرة إلى الواجهة، حول أبعاد اهتمام دولة الاحتلال بتشاد، والمكتسبات التي يسعى الطرفان إلى جَنيِها من وراء هذا التقارب. بدأت العلاقات التشادية - الإسرائيلية في ستينيات القرن الماضي، حين أقيم تبادل دبلوماسي مَكّن تل أبيب من تدريب قوات الأمن والشرطة التشادية. إلّا أن إنجامينا قطعت هذه العلاقات في عام 1972، وذلك نتيجة ضغوط من جيرانها العرب، من دون أن ينقطع تدريب الخبراء الإسرائيليين للجيش التشادي، خصوصاً في فترة الثمانينيات. وخلال الحرب الأهلية التشادية، أُبرمت صفقات أسلحة مع إسرائيل. لاحقاً، إبّان أزمة إقليم دارفور في غرب السودان عام 2003، برز الدعم الغربي والإسرائيلي لقبائل «الزغاوة» الأفريقية التي ينتمي إليها ديبي، في مواجهة قبائل عربية مدعومة من الخرطوم، وميليشيا «الجنجويد».
عادت العلاقات، بقوة، بعد 46 عاماً من القطيعة، على الأقلّ على المستوى الرسمي، وذلك إثر زيارة الرئيس التشادي إلى الأراضي المحتلّة، لأوّل مرة، في عام 2018، والتي أعقبتها زيارة نتنياهو إلى تشاد مطلع عام 2019. حينها، قال هذا الأخير إن زيارته تأتي في إطار ما أَطلق عليه «ثورة» في العالم العربي والإسلامي، قاصداً بها التطبيع مع الدول التي تقعُ في المجال العربي المباشر والمجال العربي غير المباشر. وكان من نتاجِها، تتابُع التطبيع الرسمي للعديد من دول المجال العربي المباشر، والانفتاح على العديد من دول المجال العربي غير المباشر، كتشاد والنيجر ومالي، واحتواؤها.
تتمتّع تشاد بخصوصية لكونها دولة أفريقية ذات أغلبية مسلمة وهي أيضاً عربية الهوى


تتحرّك السياسة الخارجية الإسرائيلية في عدّة مجالات جغرافية، لعلّ أبرزها ذلك الامتداد من المغرب العربي حتى أفغانستان. تنظر إسرائيل إلى أفريقيا على أنها أداة مهمّة لضمان تحقيق مشروعها، لاعتبارات عديدة: سياسية واقتصادية واستراتيجية وجيوسياسية، وهو ما عكسه الاهتمام الكبير والمتزايد بالقارّة السمراء، والذي وصفه البعض بـ«الربيع الإسرائيلي في أفريقيا». وتتمتّع تشاد، تحديداً، بخصوصية هنا؛ كونها دولة أفريقية ذات أغلبية مسلمة، وهي أيضاً عربية الهوى، حيث اللغة العربية هي اللغة الرسمية إلى جانب الفرنسية، ومجاوِرة لدولٍ هامّة مثل ليبيا والسودان والنيجر ونيجيريا والكاميرون. وانطلاقاً من كونها دولة محورية في قلب أفريقيا، وفي منطقة الساحل والصحراء على وجه التحديد، بما يُشكِّله هذا الإقليم من مركز رهانات استراتيجية وحيوية، فإن التمركز الإسرائيلي فيها سيضمن لتل أبيب امتلاك أوراق ضغط على كلّ من ليبيا والسودان، كما سيمهّد الطريق لها للتوسّع في القارّة، بما يساعدها على السيطرة على الدعم الذي تقدّمه دولٌ عدّة للقضية الفلسطينية، خصوصاً عبر المحافل الدولية.
إلى جانب ما تَقدّم، تتطلّع إسرائيل إلى جَنْي مكاسب جيوسياسة واقتصادية، مثل الوصول إلى نفط الجنوب الليبي، وتقصير مدّة الطيران من تل أبيب إلى أميركا اللاتينية، من خلال خطّ الطيران عبر مثلّث الحدود بين السودان وتشاد وليبيا. والدليل على هذا التوجّه، هو أنه عقب زيارة إدريس ديبي إلى دولة الاحتلال، تمّ الإعلان عن فتح المجال الجوّي التشادي أمام الملاحة الجوية الإسرائيلية، بما يسهّل تسيير الرحلات مباشرة إلى أميركا اللاتينية. ومن جانب آخر، تمثّل هذه الخطوات مكاسب كبيرة بالنسبة إلى نتنياهو، وتُعزِّز حضوره داخلياً، كما تمثّل أوراقاً يُمكن أن يوظّفها في مواجهة تُهم الفساد التي تلاحقه. وفي الصورة الأعمّ، تحاول تل أبيب إيصال رسالة إلى واشنطن مفادها بأن إسرائيل ستظلّ المفتاح السحري للولايات المتحدة في أفريقيا، إذا ما أرادت الأخيرة أن تواجه أدوار كلّ من الصين وروسيا وفرنسا، وغيرها من القوى المتصارعة على القارّة.
في المقابل، تستهدف تشاد، من هذا التقارب، تدعيم جيشها بالمعدّات والأسلحة، خصوصاً وسط الحرب التي يخوضها على أكثر من جبهة، فضلاً عن رغبتها في امتلاك التكنولوجيا الإسرائيلية، لا سيّما أن تل أبيب تروِّج لحلول سحرية في معالجة العديد من المشاكل الطبيعة التي تعاني منها تشاد، وعلى رأسها التصحّر. وتأمل إنجامينا، أيضاً، توسيع رقعة التعاون مع إسرائيل في مجالات الزراعة والطاقة الشمسية والمياه، في حين يحاول الرئيس التشادي ضمان بقائه في السلطة، عبر التحالف مع إسرائيل التي قد تضمن تقرّبه من البيت الأبيض.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا