بعد طول مناورة ولعب على الحبال، أعلن السودان، رسمياً، من على منصّةٍ تجمع المكوّنين المدني والعسكري على السواء، الانخراط في مفاوضات للتطبيع مع إسرائيل. تطبيعٌ يبدو دونالد ترامب في عجلة من أمره لإتمامه قبل تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، بما يساهم في تعزيز فرصه للفوز بولاية ثانية. ولذا، تبذل إدارة ترامب كلّ ما وسعها لتعبيد الطريق أمام تحقيق هذا «الإنجاز»، على رغم أن عقبات بدأت تظهر أمامها، من بينها مساعي أعضاء ديموقراطيين مؤثّرين في مجلس الشيوخ إلى تحصيل تعويضات هائلة لعائلات ضحايا اعتداءَي 1998 على سفارتَي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا، بما من شأنه، ربّما، تعطيل الصفقة التي يركض البيت الأبيض خلف إبرامها. مع ذلك، يواصل مايك بومبيو محاولاته استصدار «صكّ براءة» للسودان عبر إزالة اسمه من «قائمة الدول الراعية للإرهاب»، كشرطٍ تضعه الخرطوم لموافقتها على الانضمام إلى قافلة المُطبّعين.
دخلت الإدارة الأميركية في سباق مع الوقت لحلّ «الخلافات» العالقة مع السودان، مدفوعةً برغبة رئيسها دونالد ترامب وحاجته إلى ضمّ مزيد من البلدان إلى نادي المُطبّعين مع إسرائيل، والإفادة من الزخم المرافق لهذه الحالة، قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية. وما كان، قبل وقتٍ قريب، يبدو بعيداً، أصبح، بعد الاتفاق على سلّة المطالب في مفاوضات أبو ظبي التي جَمعت، على مدى الأيام الثلاثة الماضية، إلى السودان، كلّاً من الولايات المتحدة والإمارات، في حكم المُنجز.
لكن وضع التفاهمات موضع التنفيذ يحتاج إلى خطوات تتعدّى رضى الخرطوم، إلى إقناع الكونغرس برفع اسم السودان من «القائمة الأميركية السوداء للدول الراعية للإرهاب»، حيث لا تزال هذه المساعي تواجه معارضةً قويّة، على رغم الضغوط التي يمارسها وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، المُوكَلة إليه هذه المهمّة. وفي رسالةٍ وجّهها إلى كلّ من زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، وإلى العضو الديموقراطي في لجنة العلاقات الخارجية كريس كونز، الذي أدّى دوراً رئيساً في المفاوضات وراء الكواليس، ربط بومبيو رفع اسم السودان بالتعويضات التي سيحصل عليها أهالي ضحايا الاعتداءين اللذين استهدفا سفارتَي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في عام 1998، وأوديا بحياة ما يزيد على 200 شخص، مشيراً إلى أن لدى بلاده «فرصة لا تأتي سوى مرّة واحدة»، من دون الإتيان على سيرة التطبيع. وفي الوقت نفسه «لدينا أيضاً نافذة فريدة وضيّقة لدعم الحكومة الانتقالية بقيادة مدنية في السودان الذي تخلّص أخيراً من الدكتاتورية الإسلامية».
أكد البرهان أن مباحثاته في الإمارات تناولت «مستقبل السلام العربي الإسرائيلي»


وعلى رغم أن التفاهمات لشطب السودان من «القائمة الأميركية السوداء» كانت بدأت قبل وقتٍ من الانقلاب على عمر البشير، إلّا أن إطاحة الأخير وتسلم الطغمة العسكرية الحكم، فتحا الطريق أمام وضع البيت الأبيض شروطاً ،مِن قبيل جرّ البلد الأفريقي إلى تطبيع علاقاته مع إسرائيل، للمضيّ قُدُماً في إزالة اسمه من «لائحة الإرهاب»، وهو ما حمل بومبيو إلى الخرطوم منتصف الشهر الماضي، حين تبدّدت آماله في إحداث خرق على هذا المستوى، نظراً إلى أن السلطات الجديدة أوحت بأنها لا تحمل تفويضاً - كونها غير مُنتخَبة - يجيز لها اتخاذ قرارات مماثلة. تكرّرت هذه الإشارة على لسان وزير الإعلام، فيصل محمد صالح، الذي نفي أن يكون الوفد الوزاري المرافِق لرئيس «مجلس السيادة» السوداني، عبد الفتاح البرهان، إلى أبو ظبي، يحمل تفويضاً بمناقشة التطبيع مع إسرائيل. إلّا أن البرهان، الذي التقى في شباط/ فبراير الماضي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقال حينها إن لكيان العدوّ دوراً في قضية رفع اسم بلاده من القائمة الأميركية، أكّد، يوم أمس، أن مباحثاته مع المسؤولين الأميركيين في الإمارات تناولت «مستقبل السلام العربي الإسرائيلي» و»الدور الذي يُنتظر أن يلعبه السودان في سبيل تحقيق هذا السلام»، وفق ما أفادت به وكالة الأنباء السودانية الرسمية «سونا».
بالعودة إلى صفقة بومبيو والمفاوضات المتعثّرة على خلفية الملفّ القضائي المتعلّق بدفع تعويضات لعائلات ضحايا اعتداءَي 1998، تنصّ الخطّة - في صيغتها النهائية - على أن تودع الخرطوم، في حساب مجمّد، أموالاً تُقدّرها وسائل إعلام أميركية بـ335 مليون دولار، من أجل تعويض مُقدِّمي الشكاوى، في مقابل شطب السودان من «قائمة الدول الراعية للإرهاب»، وإقرار قانون ينصّ على «السلام القانوني» مع الخرطوم، لتجنّب ملاحقات جديدة في المستقبل. في هذا السياق، أوردت صحيفة «وول ستريت جورنال»، نقلاً عن مصادر داخل الكونغرس، قولها إن بعض أعضاء مجلس الشيوخ، مثل تشاك شومر وبوب مينينديز، يعتبر الصفقة غير كافية، ويريد من السودان أن يدفع تعويضات أكبر لضحايا الهجمات «الإرهابية» من غير الأميركيين. كما يريد أن يعمل السودان على تعويض مجموعة إضافية من ضحايا هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001. ونسبت الصحيفة إلى مصادر على دراية بتفاصيل التسوية قولها إن الصفقة تنصّ على دفع مبلغ 10 ملايين دولار لكلّ فرد من القتلى الأميركيين، وأقلّ من مليون دولار لنظرائهم الأجانب الذين استعانت الحكومة الأميركية بخدماتهم. أما الجرحى من الأميركيين فتراوح التعويضات التي ستُدفع لهم بين 3 ملايين و10 ملايين دولار، وسيحصل الجرحى من غير الأميركيين على أقلّ من 500 ألف دولار. وعلى رغم الضغوط التي مارسها بومبيو على الكونغرس ليصوّت على هذا النصّ، باعتباره أن «هذا القانون يجب أن يدخل حيّز التنفيذ منتصف تشرين الأول/ أكتوبر في أقصى حدّ لضمان دفع التعويضات للضحايا ما إن يتمّ شطب السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب»، إلا أنه إذا سارت الأمور كما يريد السناتوران شومر ومينينديز، فإن من غير المحتمل أن يصدّق الكونغرس على أيّ تسوية قبل انقضاء دورته في كانون الثاني/ يناير المقبل، ما يعني، عملياً، فشل خطة ترامب.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا