رغم الانطباع بأن المساعي الاميركية عادت ووصلت إلى طريق مسدود، لا يقدح ذلك بحقيقة أن الاطراف الثلاثة المعنية، وتحديداًَ الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني، حرصا على إبقاء الأبواب مفتوحة، بانتظار الخطوة الأميركية التي ستحاول التوصل إلى صيغة تكون مقبولة من الطرفين.
وبعد ارتفاع آمال الطرف الإسرائيلي بإتمام صفقة إطلاق الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد مقابل الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى وتمديد المفاوضات عام آخر، بأبخس الاثمان، نسبة إلى الصيد الكبير الذي يفترض أن يسجل في الرصيد السياسي لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، أعادت خطوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس رسم المشهد الإسرائيلي الفلسطيني، وفق عناوين أخرى، إذ بدلاً من أن تحتفل إسرائيل بإنجاز الاعلان عن الاتفاق على تحرير بولارد، تسود حالة من تبادل الاتهامات بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني حول المسؤول عن إفشال محاولات التوصل إلى اتفاق لاستئناف المفاوضات.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه الإسرائيليون أن رئيس السلطة رفض الصفقة التي تؤدي إلى استئناف المحادثات وأوصلها إلى حافة الانهيار، يرد الفلسطينيون بأن إسرائيل لم تلتزم بتعهداتها لجهة تحرير أسرى الدفعة الرابعة.
وفي هذا السياق، نقل موقع «واللاه» العبري عن مصدر فلسطيني شارك في المؤتمر الصحافي الذي عقده أبو مازن قبل يومين أن «نقطة الخلاف الاساسية ما زالت تحرير الأسرى من فلسطينيي الـ48، مشيراً إلى أن إسرائيل تحاول تأجيل تحريرهم مرة تلو الأخرى. وفي الصفقة الحالية أيضاً، تحاول تأجيل موعد تحريرهم ولا تحدد موعداً لذلك». وكشف المصدر أيضاً عن أن بو مازن «وجّه رسالة واضحة إلى نتنياهو ووزير الخارجية الأميركي جون كيري بأنه في حال لم يتم تحرير الأسرى العرب الإسرائيليين فوراً، فإن المحادثات ستنهار، وأنه لم يفت الوقت لحد الآن لمنع ذلك، وكل ما هو مطلوب من أجل إتمام الصفقة وتمديد المفاوضات، قرار واضح من الحكومة الإسرائيلية بأنها ستنفذ الدفعة الرابعة كما هو مخطط لها، بمن فيهم العرب الإسرائيليون».
في المقابل، أوضح موقع «واللاه» أنهم في إسرائيل لا ينفون ما يقوله الطرف الفلسطيني، إذ أكد مصدر مطّلع على تفاصيل المحادثات أن «نتنياهو يريد تحرير الأسرى بالتزامن مع وصول بولارد إلى إسرائيل، وهو ما لن يتم قبل أسبوع على الاقل».
في سياق متصل، ارتفعت الأصوات المنتقدة في الولايات المتحدة ضد صفقة تشمل تحرير بولارد من السجون الأميركية. وشملت هذه الانتقادات أيضاً أعضاء في الكونغرس رفيعي المستوى، بمن فيهم مؤيدون بارزون لإسرائيل، إضافة إلى السفير الأميركي السابق في تل أبيب دان كارتسر، المقرب من إدارة باراك أوباما. كذلك انتقدت صحيفتا «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» بشدة نية الإدارة الأميركية إطلاق سراح بولارد مقابل ما سمتاه «تنازلات إسرائيلية للفلسطينيين». ورأت «واشنطن بوست» أن «السؤال المطروح هو لماذا تقترح الولايات المتحدة تنازلات بدلاً من محاولة الضغط على الطرفين للتوصل إلى تسوية».
ولفتت إلى أن كيري فشل في إقناع نتنياهو وعباس بالتحرك عن مواقفهما المتعارضة. وبالتالي فإن إطلاق سراح بولارد يبدو أنه «طريقة لكسب الوقت وتجنّب الاعتراف بالفشل». ورأت صحيفة «نيويورك تايمز» أيضاً أن «استخدام بولارد كورقة مساومة يشير إلى مدى إحباط الولايات المتحدة»، مشيرةً إلى أن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين يمكن التوصل إليه إذا أراد الطرفان ذلك بأنفسهم، وهو مسألة مشكوك فيها الآن.
ورأت الصحيفة أن «إطلاق سراح بولارد كبادرة سياسية حسنة تجاه نتنياهو هو فكرة سيئة لن تقدم شيئاً في حل القضايا الجوهرية لعملية السلام». في موازاة ذلك، أكدت مصادر في الإدارة الأميركية أن جهود الوساطة التي يقوم بها كيري استنفدت نفسها، وأنه آن الأوان ليتخذ القادة قرارات قاسية.
لكن كيري ردّ على منتقديه بالقول من السابق لأوانه تأبين عملية السلام، لأن كلا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لا يزالان مهتمين بالعثور على طريق للخروج من المأزق الحالي، وأن هناك احتمالات للعمل الجاد من أجل تحقيق ذلك.
وأكد كيري أن «الرئيس باراك أوباما والحكومة الأميركية على استعداد لأن يفعلا أي شيء للمساعدة، ولكن المساعدة تعتمد على استعداد الأطراف للعمل».
في كل الأحوال، ينتظر الإسرائيليون الآن ما الذي سيقدم عليه وزير الخارجية الأميركي، في مقابل خطوة أبو مازن. ويأملون أن يبقى الموقف الأميركي على حاله إزاء الصفقة التي تمت بلورتها. ويرون، بحسب مصدر إسرائيلي، أن «خطوة أبو مازن ليست تفجيراً للمحادثات، بل تهديد بالقيام بذلك، وأنه ما لم تنقل الوثائق التي تم التوقيع عليها إلى المؤسسات الدولية، فمن الممكن لحد الآن تنفيذ الصفقة وتمديد المحادثات».
وعلى الرغم ممّا تتمتّع به قضية بولارد من مكانة خاصة في الرأي العام الإسرائيلي، حرص العديد من الوزراء اليمينيين على إعلان معارضتهم للصفقة المطروحة، وهدّد بعضهم بالاستقالة في حال أخرجت إلى حيّز التنفيذ. لكن المرجّح، في حال التوافق على الصفقة، ألا تجرؤ الحكومة الإسرائيلية على منع إمرارها، حتى لو سجّل بعض الوزراء مواقف استعراضية، كذلك لن تؤدي هذه الخطوة إلى تفكيك الحكومة، كما لوّح ويلوّح البعض منهم.
كذلك دعا وزير البناء والإسكان الإسرائيلي، أوري آرئيل، نتنياهو، إلى الرد على عباس، «بالإعلان عن مشاريع استيطانية كبرى وإلغاء اتفاقية أوسلو».
ورأى آرئيل، من حزب «البيت اليهودي» (يمين)، أن «الخطوة التي قام بها الرئيس الفلسطيني تستدعي وقف العملية السياسية بشكل كامل». ورأى أن عباس «بصق في وجه الجميع عندما نظم عرضاً تلفزيونياً قام خلاله بالتوقيع على طلبات الانضمام إلى المعاهدات الدولية».