أتمّ حراك الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2019 عامه الأول، لتبدأ بعد أيام قليلة الموجة الثانية من الحراك نفسه (25 تشرين الأول الجاري). هي هزّة سياسية من العيار الثقيل، قسمت الآراء العراقية إلى معسكرين: مؤيّد ومعارض. رأى الأوّل ما جرى ويجري نتيجةً طبيعية للأداء السيّئ لمعظم الأحزاب والقوى السياسية طوال الأعوام الـ 17 الماضية، مستبعداً بذلك نظرية «المؤامرة الأميركية – الخليجية» ضدّ حلفاء طهران خصوصاً، والذين تسيّدوا المشهد السياسي بُعيد الانتخابات التشريعية في أيار/ مايو 2018، وشكّلوا حكومة عادل عبد المهدي. هذه «المؤامرة» هي ما ذهب إلى تأكيدها الفريق الثاني، معتبراً أنها تستهدف إسقاط جميع الأحزاب والقوى السياسية التقليدية، تمهيداً لصعود التيارات المدنية والليبرالية، والعلمانية حتّى، في أيّ انتخابات تشريعية مقبلة.الأكيد، إلى الآن، أن «حراك تشرين» سرّع في احتضار العملية السياسية الجارية منذ عام 2003، من دون أن يُقدّم بديلاً منها، في وقت يلوح فيه شبح الفوضى والانفلات الأمني في الأفق. والأكيد أيضاً أن «الحراك» عَجِز عن إنتاج قادة ووجوه، في ما يوصف من قِبَل البعض بأنه مقصود؛ حتى «يظلّ الحراك لقيطاً... لا أب ولا أمّ له، فقط للاستغلال والاستثمار». على أن النقاش يظلّ مفتوحاً حول السياقات؛ يرفض فريق أوّل، هنا، «تشبيك» الأسباب، مكتفياً بالسياق الداخلي الاقتصادي – الاجتماعي للاحتجاجات. في المقابل، يذهب فريق آخر إلى اتّهام التظاهرات بأنها «بيدق» بيد السفارات، وبقيادة «انقلاب ناعم». أمّا الفريق الثالث فيفضّل اتخاذ مسافة من المعسكرين المتقدّمَين، باعتباره أن ثمّة أسباباً طبيعية تدفع الشباب إلى «الثورة» على واقعهم، ولكن في الوقت عينه ثمّة أيضاً من يتحيّن الفرص، وخصوصاً أن الشارع العراقي سهل الاختراق، وهو ما تجمع عليه قيادات أمنية رفيعة.
لا «الحراك» صاغ ورقة إصلاحية، ولا الأحزاب والقوى تَقدّمت بطرحٍ متكامل


في هذا الشقّ تحديداً من النقاش، أي اختراق الشارع من قِبَل أجهزة أمنية خارجية، بات واضحاً، مثلاً، الدور الإماراتي الكبير في «صبّ الزيت على النار». وهو دور استفاد من بطء حكومة عادل عبد المهدي في تنفيذ برنامج إصلاحي، ومن سعي الأحزاب والقوى (على اختلافها) إلى استثمار الأزمة لتحسين مكاسبها، وإظهارها عقلية محكومةً بالأنانية والسطحية. أمّا الدم والنار اللذان صبغا تلك الأيام، فلا يزالان يحتاجان إلى تدقيق وتمحيص، علماً بأنه حتى اللحظة لم يصدر أيّ اتهام صريح لشخص أو جهة.
في التداعيات، لا «الحراك» صاغ ورقة إصلاحية، ولا الأحزاب والقوى تَقدّمت بطرحٍ متكامل، فيما أعلن الكاظمي، قبل أيام، عن «ورقة إصلاحية» لم تُكشَف تفاصيلها إلى الآن. عملياً، المراوحة لا تزال سيّدة المشهد، في ظلّ الاستعدادات لانتخابات تشريعية مبكرة وفق قانون يتيح تمثيل الشرائح المغيّبة. ولكن، يبقى السؤال: ماذا لو أنتجت الانتخابات المرتقبة تركيبة مماثلة للتركيبة الحالية؟
بعد عام على «زلزال تشرين»، ووسط تحذيرات من أن «موجاته الارتداديّة» قد تعود في الأيام القليلة المقبلة، تزدحم الأسئلة، فيما الأجوبة مفقودة. أمّا الطبقة السياسية فالواضح أن لا رغبة لديها في التغيير، وأن كلّ ما تفعله انتظار «تسوية» من الخارج ربّما تنضج قريباً.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا