القاهرة | اعتاد المصريون مشاهدة الرئيس الأسبق حسني مبارك بعد 2011 في مشهد المريض الذي يحاكم خلف القضبان. مشهد حفظه المصريون حتى ملوا متابعة جلسات محاكمته مع نجليه علاء ورامي. إلا أن مبارك أبى إلا أن يفاجئ المصريين بمقابلة صوتية ليل الاربعاء عبر صحيفة «المصري اليوم»، بعث من خلالها برسائل سياسية في عدة اتجاهات. مقابلة أثارت حفيظة الشباب المصري وحملة المرشح المحتمل حمدين صباحي، فيما التزمت حملة المشير عبد الفتاح السيسي الصمت، حالها حال جماعة «الإخوان» المسلمين المحظورة. وحاز حوار الرئيس الأسبق الهاتفي المسجل مع الزميل محسن سميكة من صحيفة «المصري اليوم»، أعلى نسبة متابعة واستماع عبر موقع «يوتيوب»، وأثار ضجة إعلامية مصرية كبيرة، ولا سيما أنه الحوار الصوتي الأول منذ تنحيه.
مبارك أكد في مقابلته أنه بصحة جيدة، داعياً على نحو صريح الشعب المصري إلى انتخاب المرشح المحتمل عبد الفتاح السيسي، بقوله «لقد قال الشعب كلمته وجرى اختيار السيسي بالفعل رئيساً لمصر، لذلك ليس أمام الشعب على الساحة السياسية الآن إلا هو». وهو ما عدّه الناشطون تأكيدا على أن السيسي ممثل لنظام مبارك، وأن شكوكهم يجري تأكيدها يوماً بعد يوم. وسخر الكاتب الصحافي تامر أبو عرب، من حديث مبارك وتأييده للسيسي بقوله «مبارك ينصح المصريين بانتخاب السيسي، كنا نخشى أن يكون السيسي مرشح دولة مبارك، إلا أنه أصبح مرشح مبارك نفسه».
ودلل أبو عرب على حديثه بقوله لـ «الأخبار» إن «خطابات مطولة ألقاها السيسي في مناسبات مختلفة، لم يقترب بها بكلمة نقد لعصر مبارك، ولا لمبارك نفسه، ولا لحزبه، ولم يتحدث عن ظلمه الذي كان أدرى الناس به، ولا فساده الذي رآه أمامه وصمت»، مفسراً صمت السيسي لاعتقاده بأن أنصار مبارك كتلة يجب ألّا يخسرها.
مبارك هاجم ترشح حمدين صباحي للرئاسة في وجه السيسي، ورأى أنه «مفيش فايدة منه ولو نجح هيضرب الناس بالشلّوت». هجوم عدّه أنصار المرشح المحتمل بأنه تأكيد على أن صباحي وحده هو مرشح الثورة المصرية. المتحدث الرسمي باسم التيار الشعبي المصري، حسام مؤنس أكد أن «كلام الرئيس المخلوع حسني مبارك أبلغ إشارة إلى أننا في الطريق الصحيح لاستكمال الثورة، وأن دعمنا لحمدين صباحي هو دعم للثورة المصرية، ولحلم الشعب في بناء دولة ونظام العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني».
رأي مؤنس أيده مسؤول اللجنة الإعلامية وعضو الهيئة العليا لحملة حمدين صباحي، عمرو بدر، بقوله «إن هجوم الرئيس المخلوع حسني مبارك على المرشح المحتمل حمدين صباحي هو وسام شرف يضاف إلى سجل صباحي النضالي، ويؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن رموز دولة مبارك الفاسدة وراء الحملة الباطلة ضد صباحي». وأضاف بدر على الصفحة الرسمية لحملة صباحي الرئاسية، «إن صباحي كان مناضلاً صلباً ضد مبارك ونظامه، ومحاولاته توريث مصر لابنه من بعده، وهو أحد الذين شاركوا وصنعوا وحرضوا على ثورة 25 يناير المجيدة، وكان من الطبيعي جداً أن يهاجمه الرئيس المخلوع»، مستطرداً «صباحي يمثل المستقبل الذي يحاول الشعب المصري صنعه بعد 30 عاماً من الفساد والاستبداد، الذي رسخه مبارك ونظامه». وتوقع بدر أن يكون هذا التحريض من قبل رأس النظام البائد إضافة لصباحي خلال الانتخابات القادمة، لأنه يكشف للشعب المصري أن هذا النظام الفاسد يحاول العودة مرة أخرى، لافتاً إلى أن مبارك خرج الآن بالذات لأنه يشعر بأن هناك من يحاول إعادة نظامه الفاسد مرة أخرى.
تأكيد مبارك على أنه بصحة جيدة، أثار حفيظة محاميه فريد الديب، الذي سارع إلى نفي الحوار عقب إذاعته. وقال «كل هذا كلام كذب في كذب، وبعض الإعلاميين والصحافيين سيخربون البلد، وإيه اللي هما بيعملوه ده خليهم في اللي هما فيه».
وأكد الديب، خلال اتصال عبر التلفزيون، «أن مبارك لم يجر أي حوارات مع أي جريدة من الجرائد، ولم ينطق بكلمة واحدة ولم يتصل أو أحد يتصل به إطلاقاً، وكل ما يقال كذب»، مشيراً إلى أنه «أجرى اتصالاً هاتفياً بالرئيس السابق في المستشفي بعد استئذان الاطباء، الذي أكد له خلاله أن هذا الكلام لم يحدث وكذب، وليس له اساس من الصحة، وأننا نحتاح إلى عملية تطهير في الصحافة والإعلام».
وطالب محامي مبارك، الجميع بأن يكفوا عن كيل الادعاءات بشأن موكله.
محسن سميكة، الصحافي الذي أجرى الحوار، روى في تصريحات لـ«الأخبار» كيف حصل ذلك. قال إن «المكالمة جاءت بالصدفة البحتة ولم تكن مرتبة، حيث أن إحدى صديقاته سبق أن زارت مبارك في المستشفى العسكري، وقضت معه وقتاً طويلاً للاطمئنان إلى صحته، وعندما عرفت طلبي باجراء حوار مع مبارك، او التواصل عبر الهاتف أبدت صديقتي استعدادها للمساعدة».
وأضاف سميكة «منذ يومين وجدت رقماً «خاصاً مميزاً»، وهي خدمة تقدمها شركات المحمول المصرية للشخصيات المهمة ذات المستوى الرفيع في الدولة، يتصل بي، وبمجرد الرد حدثني سكرتير الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وعرفني بنفسه وقال لي، معك الرئيس مبارك لتحدثه وتبلغه سلامك بنفسك». وتابع «المكالمة استغرقت بضع دقائق، أجريت خلالها حواراً صغيراً لم أكن مستعداً له بأسئلة مسبقة في ظل مفاجأة الاتصال، وهو ما ظهر خلال التسجيل المنشور عبر «اليوتيوب»، واذاعته القنوات المصرية». وطغى علي حوار سميكة الطابع السياسي والانتخابات الرئاسية وحسب، حيث طالب مبارك بالتعبير عن رأيه في المرشحين المحتملين الأبرزين، وهما «عبد الفتاح السيسي وحمدين صباحي»، وفي بعض القضايا الإقليمية والدولية التي لم تأخذ أي حيز من الجدل في الوسط المصري، والتي من أبرزها موقف الدول العربية حيال مصر، ولا سيما «قطر، الإمارات، السعودية،»، فضلاً عن الضغوط الأميركية على قطر تجاه مصر.
وبشأن الانتقادات التي وجهتها بعض الصفحات والنشطاء لأداء الصحافي المبالغ في مدح الرئيس السابق ونظامه، ولاسيما وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، قال سميكة «أغلب من وجه إلي النقد هم أنصار المرشح المحتمل حمدين صباحي».
ولفت سميكة إلى أنه اعتمد على أن يبدي الود مع مبارك عمداً ليسترسل مبارك في حديثه، ويجري الحصول على تصريحات مختلفة. أما بشأن نفي محامي مبارك اجراء المقابلة، فوصفه سميكة بأنه محاولة للترويج بأن موكله لا يزال مريضاً حتى لا يغادر المستشفى العسكري لسجن طرة، ويحكم عليه في أي لحظة.