القاهرة | صدرت توقّعات بنموّ الاقتصاد المصري بنسبة تفوق 3% خلال العام المالي الذي ينتهي في الثلاثين من حزيران/ يونيو المقبل (2021)، لكن هذا النمو ليس سوى جزء من عملية تبديل وتوفيق للأرقام المختلفة في الموازنة، التي أصبحت شبه سرّية في عدد من بنودها. وفي آخر تلك التبديلات، استقطعت الحكومة أموالاً من رواتب الموظفين لمكافحة الموجة الثانية من فيروس «كورونا» المستجدّ، بعدما فرضت مزيداً من الرسوم وخفّضت المكافآت والنفقات، مع أنها في الوقت نفسه زادت الأموال المُخصّصة للجيش في الأعمال المدنية، مع توفير أموال أخرى كثيرة لتسديد القروض الدولية.وفي هذا السياق، يرفض وزير المالية، محمد معيط، التطرّق إلى المبلغ الذي خُصّص لمكافحة «كورونا» في الموازنة التي يفترض أنها حازت موافقة البرلمان قبل اعتمادها، لكن ما تفعله الحكومة الآن هو سعي إلى «تمويل ذاتي» لبنود العجز، مع إجراء تعديلات وتنقلات مالية في كثير من الوزارات، من دون موافقة برلمانية على الأقلّ. وهذا مرتبط بكون الدولة لا تملك خطة حقيقية لمواجهة موجة جديدة من الفيروس، ولكنها ستعيد تشغيل مستشفيات العزل التي خرجت من الخدمة مع عودة الإجراءات الاحترازية السابقة. وبينما صُرفت ملايين محدودة من الجنيهات كزيادة في موازنة الصحة، استُقطعت مليارات الجنيهات لمواجهة أعباء «كورونا»، سواء من رواتب الموظفين في القطاعين العام والخاص بنسبة 1%، مروراً بترشيد الموازنات التشغيلية بأكثر من 25%، وإيقاف ترميم المدارس وتأهيلها، وكذلك استقطاع المبالغ المعتمدة لقطاعات خدمية، في مقدّمتها الأنشطة الشبابية والترفيهية.
في المقابل، تملك الحكومة خطّة واضحة لخفض العجز بمزيد من الضرائب وتقليص النفقات على خدمات كثيرة للمواطنين! بعبارة أخرى، تمتلك الحكومة «رفاهية» التخفّف من عبء رواتب آلاف الموظفين الذين يخرجون إلى التقاعد، فضلاً عن تقييم الرواتب الحالية في الشركات الحكومية، وهو ما ظهر في التعامل بلائحة جديدة أثارت غضب العاملين في شركات القطاع العام. وبخلاف عملية الترشيد التي كانت مُعدّة سلفاً للنفقات الرسمية وفق الاتفاق مع «صندوق النقد الدولي»، رفعت الحكومة سقف «الترشيد» ليمسّ صغار الموظفين والمكافآت التي يحصلون عليها بحجّة توقف الأنشطة من جرّاء «كورونا». لكن الأخطر قانوناً وتطبيقاً هو تحويل مخصّصات بالمليارات من بنود إلى أخرى، وزيادة رسوم بنسبة مُبالَغ فيها لتعويض العجز، خاصة مع صعوبات الاقتراض الخارجي الآن. كما تلجأ الحكومة إلى طرح «سندات خضراء» تقول إنها ستكون أفضل من الاقتراض، فيما يعمل «البنك المركزي» على إبقاء الفائدة مرتفعة على الجنيه لضمان ألا يُضغط على احتياطي النقد الأجنبي، وسط مخاوف من أن يؤدّي تقليص الفائدة لدى البنوك إلى تحويل تريليونات الجنيهات في المصارف إلى دولارات.
هكذا، في المحصلة، أكثر من 10 مليارات جنيه (700 مليون دولار) كان يفترض إنفاقها على مجالات مختلفة ذهب جزء منها لسداد عجز الموازنة والديون، إذ يفترض العمل في النصف الثاني من 2020 فقط على تسديد أكثر من 9.2 مليارات دولار، فضلاً عن نحو 14 ملياراً خلال 2021. فوق ذلك، حوّلت الدولة عدداً من المخصّصات المالية إلى الجيش، في ظلّ قرارات غير معلنة بتولّي جهات تابعة للمؤسسات العسكرية توفير المستلزمات للجهات الحكومية بأسعار أقلّ، وتوجيهات بمنع الاستيراد إلا في حالات محدّدة، وبموافقات استثنائية تُصدرها الجهات المعنيّة، وفي مقدّمتها وزارة الإنتاج الحربي، إلى جانب جهات يعمل فيها ضباط تابعون للجيش. والأخير يتابع عمليات الاستيراد وفق ضوابط ورؤية عسكريتين قائمتين على استيراد المنتجات الأرخص من الدول التي تسمح بتقديم تسهيلات، وهو ما أدّى إلى نقص في بعض المستلزمات، بما فيها الطبية، من جرّاء تأخر العسكر في الموافقة على الاستيراد من الأماكن التي كانت تعتمدها الشركات الحكومية.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا