غزّة | لا يكلّ القيادي المفصول من حركة «فتح»، محمد دحلان، أبداً من التفكير في أساليب تسويق نفسه وتمرير أهدافه وتطلعاته. أوراق كثيرة بحوزته، وشخصيات عدّة على أهبة الاستعداد ليلعب بها كما يشاء. عبر دحلان إلى غزّة ومخيمات الشتات عبر بوابة المال والخير لتقوية شوكته وتعزيز سيطرته ووجوده في الساحة الفلسطينية على حساب الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
أخيراً، سطع نجم عقيلته، جليلة، التي طبعت بصمات مؤثرة في السلك الإنساني والإغاثي في قطاع غزّة. لم تتصدّر جليلة واجهة الخير، تناغماً مع حاجات القطاع الملحّة في ظلّ الحصار الذي يعانيه منذ ثماني سنوات. هذه المسافة الزمنية الطويلة التي قطعها القطاع معايشاً الحصار، تُسقِط اللثام عن حقيقة الحراك النشط المستجدّ لهذه السيدة، التي نالت المرتبة الثانية كأقوى امرأة فلسطينية، ضمن استفتاء أجري أخيراً. استغل دحلان هذا التوقيت الحساس والدقيق ليرسل زوجته «أم فادي» ليضرب عصفورين بحجر واحد. أول هذه المواضع الانتهازيّة تتمثّل في اطلاعه التام على المأزق السياسي والمالي الذي تعيشه «حماس»، وقدرته على ابتزازها مالياً للتحرّر من قيود الحصار المحاطة بها. ومن ناحية أخرى، يقتنص فرصة دخول معركة المفاوضات التي يقودها محمود عباس في نفق مسدود، وذلك بهدف تسجيل نقاط لمصلحته وكسب الالتفاف الشعبي حوله مقابل خفض أسهم التشجيع لعباس. هكذا، درس دحلان الظروف الموضوعية لكل من عباس و«حماس»، وعرف كيف يحقّق استقطابات جماهيريّة واسعة، وتحديداً في خان يونس جنوب قطاع غزّة.
كان عنوان الابتزاز هذه المرة المركز الفلسطيني للتواصل الإنساني «فتا» الذي ترأسه زوجته. أغدقت جليلة مال زوجها على الغزّاويين. كلّفته هذه المهمة ملايين الدولارات، وتماشياً مع هذا الكرم «الطائي»، منح بعض الفلسطينيين جليلة لقب «أم الفقراء».
استفادت مؤسسات حمساوية من تقديمات مؤسسة «فتا»
بات القطاع المعروف بأوضاع سكانه الصعبة مادياً اليوم وجهة جليلة وزوجها، ممتطين ظهر القضايا الإنسانية للوصول إلى ما هو أوسع من ذلك. المركز الأهلي الخيري «فتا» ضخّ الدم في شرايينه العام الماضي، بعدما سمحت «حماس» بعودة فعالياته ونشاطاته التي مُنعت بعد أحداث الانقسام الداخلي عام 2007. وبطبيعة الحال، لم تكن هذه الخطوة مجانيّة، حيث استفادت جمعيات ومؤسسات حمساويّة من المشاريع التي يقدمها المركز، وذلك بحسب ما أفادت به مصادر مقرّبة من دحلان لـ «الأخبار». وأضافت المصادر أن دحلان حصل من «حماس» على موافقة لزيارة زوجته أخيراً قطاع غزّة برفقة ابنتها. وتنسجم هذه التصريحات مع تصريحات سابقة لقيادات حمساوية لم تمانع أي مشاريع خيرية وإغاثية لمصلحة القطاع عن طريق دحلان، بهدف كسر الحصار المفروض عليه. وتعدّ هذه الزيارة الثانية لجليلة، بعدما فرّ زوجها من قطاع غزّة إبان فرض «حماس» سيطرتها عليه عام 2007، حيث افتتحت عدداً من المشاريع التنمويّة العام الماضي وزارت خديجة عرفات، شقيقة الرئيس الراحل ياسر عرفات. غير أن مضاعفة أنشطتها العام الحالي أثارت قلق السلطة، التي عدت هذه المشاريع محاولة جادة لشراء ولاءات وذمم لمصلحة خصمه السياسي. تخوّف سلطة رام الله في محله، بعدما تحرّر «فتا» من مشروع بعينه، وبسط سيطرته على برامج مختلفة، ككفالة الطفل اليتيم والمعاق والطالب الجامعي الفقير، وترميم منازل الأسر الفقيرة والمهمّشة، فضلا عن إغاثة منكوبي الكوارث الطبيعية، والمصابين إثر الانتفاضة أو حوادث الطرق. يأتي هذا التغلغل الخيري المصطنع في وقت تشهد فيه غزّة صعوداً للتيار الدحلاني، حتى وإن لم يكن ظاهراً للعلن، غير أن عودة ماجد أبو شمالة، وعلاء ياغي، وسفيان أبو زايدة المحسوبين على هذا التيار إلى غزّة، للاطلاع على عمل لجنة «التكافل الاجتماعي» عن كثب، واصطفاف جماعات فتحاوية غزاويّة بجانب دحلان في معركته المحتدمة مع عباس، التي لم تنتهِ ارتداداتها بعد، يعبّران عن أن فرصة دحلان في تقلّد منصب رئيس السلطة الفلسطينية المقبل باتت على قدر من القوّة والمتانة.
وحول رد فعل سلطة رام الله على زيارة جليلة، قال القيادي الفتحاوي يحيى رباح في حديثه لـ «الأخبار»، «نرفض إعطاء جليلة وزوجها أكبر من حجمهما. جليلة في النهاية مواطنة غزاويّة ومن حقها زيارة القطاع، ولا يمكننا البحث في نياتها»، مستدركاً «لا يمكن لهذه المشاريع الخيرية والخطوات التافهة التي لا قيمة لها أن تواجه عباس أو تضعفه».
«أمّ الفقراء» التي تذكّرت أن غزّة تعجّ بالفقراء في هذه الآونة فقط، وأتقنت اللعب على وترهم، تجيد أيضاً اللعب على وتر الشباب، الذين يعدّون رأس المال البشري في مؤسستها، والشريحة الأبرز في المعركة الانتخابيّة الرئاسية. تمهيد ذكي من قبل جليلة لإحراز قاعدة جماهيريّة شبابية واسعة، تمهّد بدورها عودتها وزوجها إلى قطاع غزّة، لكن ثمّة من يرى أن هذا الاحتمال ضعيف، في ظل رفض القيادة العسكرية لـ «حماس» وبعض قواها السياسية هذا الأمر.