اختُتمت المفاوضات المكثّفة لـ«اللجنة العسكرية المشتركة 5+5» باتفاق وُصف بالتاريخي ويقضي بوقف إطلاق النار بين الأطراف الليبية المشاركة في الصراع المسلح، حكومة «الوفاق الوطني» وقوات المشير خليفة حفتر المسماة «الجيش الوطني»، وذلك بحضور رئيس البرلمان الليبي، عقيلة صالح. هذه المفاوضات التي استمرت خمسة أيام برعاية أممية في جنيف تستبق المباحثات المنوي عقدها في تونس بداية الشهر المقبل إضافة إلى مباحثات ستُجرى بين القبائل في القاهرة خلال وقت لاحق. نظرياً انتهى الصراع على السلطة بين «الوفاق»، برئاسة فائز السراج، و«الوطني» بقيادة حفتر، بعد «سجال عسكري» استمر نحو 18 شهراً وأنهك الطرفين بصورة كبيرة، متسبّباً في غضب حتى بين أوساط مؤيديهم جراء تردي الأوضاع ونقص الخدمات الأساسية في المناطق التي سيطروا عليها. هذا الإنهاك والضغوط المختلفة إقليمياً ودولياً دفعت كما يبدو إلى التوافق الذي تمّ أمس، خاصة مع مجهودات كبيرة بذلتها الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة، ستيفاني وليامز، التي طافت دولاً ذات علاقة بالحرب الليبية قبل جلسة المباحثات التي حقّقت نتائج سريعة.في المبدأ، تبدو تفاصيل الاتفاق مثمرة لجميع الأطراف، فللمرة الأولى منذ نحو عامين ستعود حرية التنقل في البلاد بين مختلف المناطق مع تقديم الدعم إلى الجنوب وسكانه الذين يعانون من أوضاع إنسانية صعبة فضلاً عن الاتفاق على وقف التراشق الإعلامي وحملات التخوين، كما صار مسموحاً بحرية الطيران مع وقف أي أعمال عسكرية على الأرض. أيضاً اتفق الفرقاء على استئناف تصدير النفط بآلية تنسيق محلية عبر منسقي المنطقتين الشرقية والغربية على أن يكون هناك دور لآمري حرس المنشأت النفطية الذين سيتواصلون مباشرة مع مندوب «المؤسسة الوطنية للنفط» في المرحلة الأولى ثم ستعقبها هيكلة هذا الحرس. وخلال الأيام المقبلة، سيتم الاتفاق على آليات تبادل الأسرى والمصابين والتفاصيل الأمنية المتعلقة بالمنطقة الوسطى التي يجب أن ينسحب منها العسكريون بأسلحتهم الثقيلة بغضّ النظر عن انتماءاتهم، وهو ما سيقلّل الضغوط على الأطراف المتحاربة، علماً أن هذه القضايا ليست عالقة وإنما شبه محسومة في تفاصيلها ولا تحتاج سوى الرجوع إلى قيادات كل فريق في ما يُعرف باسم «مجالس الحكماء» التي ستصيغ الآليات والأسماء مع حصر كامل لجميع المحتجزين. والملاحظ أن معظم ما اتفق عليه هو فعلياً ما تمّ اعتماده في لقاء الغردقة المغلق الذي استضافته مصر الشهر الماضي، كما تنقل مصادر مصرية مواكبة.
حُسمت غالبية التفاصيل عدا مصير المرتزقة الذي يبقى لغماً قابلاً للانفجار


أما نقطة الخلاف الرئيسية، فهي كيفية التخلص من المرتزقة الخارجيين في غضون ثلاثة أشهر، المهلة التي اتفق عليها الطرفان، إذ إن مصير أكثر من عشرة آلاف مرتزق لم يُحسم بعد. وما لم يكشفه الاتفاق أمس هو الخلاف على مصيرهم وكيفية التعامل معهم. فعلى صعيد ردود الأفعال، لم يخفِ الترحيب العربي والدولي بالاتفاق القلقَ التركي الواقعي إلى حد ما من آلية التنفيذ، صحيح أن الهدنة العسكرية مستمرة منذ أسابيع أصلاً بموجب استجابة حكومة السراج لوقف النار الشهر الماضي، لكن الأزمة الحقيقية التي تواجه الاتفاق راهناً هي آلية التعامل مع المرتزقة سواء في إخراجهم أو توظيفهم في الداخل الليبي. وهنا ترفض قوات حفتر قطعاً توظيفهم في القوى الأمنية والعسكرية على أن هذا الأمر حق لليبيين دون غيرهم، في حين أن «الوفاق» تجد صعوبة في حسم صيغة بشأنهم ولا سيما مع استحالة إعادتهم إلى تركيا. وحالياً ثمة أفكار عدة بينها توظيفهم في قطاعات العمل والإنشاء في الشركات الليبية برواتب مجزية كحل وسط لكن مع نزع سلاحهم. وتبدو هذه الفكرة أكثر قبولاً لدى قوات حفتر التي تطرح أفكاراً أخرى، العامل المشترك في غالبيتها التوافق على استبعاد بعض القيادات الخطيرة من البلاد، لتبقى هذه المسألة لغماً سيكون قابلاً للانفجار في أي لحظة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا