قطار التطبيع العربي مع العدو الإسرائيلي لا يتوقّف. الحكّام العرب يقفون في الصف: قبل أسابيع، كانت الإمارات والبحرين، وأمس السودان، فيما يتوقّع «الوسيط» الأميركي عدداً آخرَ من الأنظمة، من بينها السعودية التي تنتظر الرئيس الأميركي الجديد، بحسب تقدير الموساد، لتتقرّب إليه عبر إخراج تقرّبها من إسرائيل إلى العلن.إذاً هو السودان، ومن ثمّ السعودية، وبينهما وتعقبهما دول عربية أخرى، قدّر السفير الأميركي في إسرائيل، ديفيد فريدمان، أنّ عددها سيكون بين خمس وعشر. وهو واقعٌ يتوافق مع ما كان يعد به رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، بقوله إنّ ما يحدث مع الدول العربية شيءٌ لم يكن يتخيّله أحد.
إلّا أنّ إسرائيل، في المقابل، ومع احتفالها المتواصل بتراكض الأنظمة العربية للتطبيع معها، تُدرك أنّها تقيم علاقات وتحالفات مع أنظمة، لا مع شعوب، والفرق بين الاتجاهين شاسعٌ جداً. في الاتجاه الأول، «التطبيع» مبنيّ على مواقف ومصالح حكّام هم عرضة، كما مواقفهم ومصالحهم، للتبدّل وفق متغيّرات داخلية وخارجية وتبدّل موازين ومعادلات إقليمية ودولية، من شأنها إيقاف أو فرملة أو حتى إلغاء، تحالفات إسرائيل الجديدة.
وفقاً لتعليقات عبرية وردت في صحيفة «جيروزاليم بوست»، فإنّ «المعاهدات الجديدة التي أبرمتها إسرائيل مع الإمارات والبحرين، فضلاً عن المعاهدات التي مضى عليها عقود مع الأردن ومصر، لم تأتِ نتيجة صداقة بين الشعوب، بل هي تحالفات استراتيجية بين الحكومات والأنظمة». ووفقاً للتعليق نفسه، «كان من شأن إقامة دولة كردستان أن توفّر لإسرائيل شيئاً ليس لديها في المنطقة: صديقٌ حقيقي. وذلك بغضّ النظر عن كيفية هبوب الرياح في اليوم الذي يلي»، في إشارة إلى تغييرات قد تطرأ على الأنظمة، أو تطرأ على الراعي الأميركي، تطيح المعاهدات الموقَّعة معها.
التعبير عن هذه الخشية ورد أيضاً في تقرير صحيفة «إسرائيل اليوم»، التي استحضرت سيناريو العلاقات الموريتانية مع إسرائيل، في سياق تعليقها على التطبيع مع السودان، وتساءلت إن كان هذا السيناريو سيتكرّر، قائلة: «السودان الذي يتّجه للتوقيع معنا (على اتفاق سلام) هو بلد ضخم في طور تغيير هويته، وأن يتحوّل إلى دولة أقل عربية وأكثر أفريقية، لكن ما زالت الخشية موجودة من تكرار سيناريو موريتانيا، الدولة الصحراوية التي كانت لإسرائيل علاقات معها، إلى أن وقع الانقلاب فيها. فالسودان دولة لم تستقر بعد».
هل يمكن أن يحدث ذلك؟ التحسُّب الإسرائيلي موجود بطبيعة الحال، وترى تقديرات العدو أنه واردٌ ضمن دائرة الفرضيات المعقولة. لكن إلى أن تواجه هذا التحدّي لاحقاً، أو لا تواجهه بحسب فرضيات أخرى، تتطلّع تل أبيب إلى الاستفادة القصوى من علاقاتها مع الأنظمة العربية من جرّاء التطبيع والاختلاف معها، وذلك في أكثر من اتجاه، لا يرتبط فقط بالفضاء السياسي البيني مع الأنظمة، بل بمجالات أمنية وعسكرية واقتصادية ونفوذ إقليمي، هي في مقدّمة الأهداف الإسرائيلية.
واستباقاً للتوقيع الذي حصل أمس بين إسرائيل والسودان، عبّر مصدر أمني إسرائيلي رفيع المستوى، في حديث إلى «قناة 12» العبرية، عن توقّعه بأن يستمر مسار توقيع الاتفاقات بين إسرائيل ودول عديدة في الشرق الأوسط. وإذ أشار إلى أنّ الاتفاق مع السودان سيُعلن خلال أيام، فقد لفت إلى أنّ الاتفاق مع السعودية يسير، أيضاً، بمسار مشابه.
شهدت السنوات الثلاث الأخيرة لقاءات سرية مع مسؤولين من الخرطوم


وعلى غرار العلاقات والاتصالات التي سبقت إعلان الاتفاقات مع الإمارات والبحرين، كشفت تل أبيب، أمس، أن الاتصالات مع السودان شهدت في السنوات الثلاث الأخيرة اجتماعات ولقاءات سرية مع مسؤولين من الخرطوم مهّدت، إلى جانب المساعدة والضغط من واشنطن وأبو ظبي، لتقريب إعلان التطبيع على المسار السوداني. وهو ما أكده مصدر أمني إسرائيلي رفيع المستوى، في حديث إلى صحيفة «يديعوت أحرونوت»، لافتاً إلى أنّ «الفوائد الاستراتيجية للسلام مع السودان، ترتبط بالمعركة القائمة مع العدو الإيراني وإمكان تقليص نفوذه وحضوره في المنطقة، وإضراره بالأمن الإسرائيلي».
وزير الأمن الإسرائيلي، بني غانتس، أشار أيضاً إلى فائدة ووظيفة اتفاقات التطبيع مع الدول العربية في مواجهة إيران، وقال: «نحن ندخل حقبة تطبيع في الشرق الأوسط يمكن أن تساعد في مواجهة العدوان الإيراني في المنطقة. ومع الولايات المتحدة، وصداقاتنا القديمة والجديدة، سنضمن تعاوناً مثمراً».
وفي تظهيرٍ لموقف إسرائيل من تزويد الدول العربية (التطبيعية) بسلاح أميركي نوعي كانت تعارضه سابقاً، نقلت صحيفة «معاريف» عن مصدر أمني إسرائيلي رفيع المستوى رافق غانتس في زيارته الأخيرة لواشنطن، قوله إنّه في إطار اتفاقيات السلام الموقّعة أخيراً، ستشهد المنطقة صفقات تسليح أميركية إضافية، و«من نواحٍ كثيرة، من الأفضل أن تكون أميركا هي التي تبيع السلاح في منطقة الخليج، لا دولٌ أخرى». وبحسب المصدر نفسه، فإنّ صفقات السلاح ستأتي بعد توقيع اتفاقيات سلام إضافية بين إسرائيل ودول عربية أخرى. وشدّد، في المقابل، على أنّ «الأميركيين سيحافظون على التفوّق الإسرائيلي في الشرق الأوسط، رغم اتفاقيات التسليح الجارية، فلهذه الدول (العربية) كثير من المال والمصالح، لتطوير جيوشها».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا