نُشرت أمس كلمةٌ صوتيّة جديدة لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، سعّرت الحرب الكلامية بين تنظيم «دولة الإسلام في العراق والشام ــ داعش» من جهة، و«جبهة النصرة» وحلفائها من جهة أخرى. وتوعّد كلّ من الطرفين بشن مزيد من المعارك (المحتدمة في الأساس) وإزالة خصمه من الوجود.
الكلمة التي نشرتها «مؤسسة السحاب» حملت عنوان «رثاء شهيد الفتنة الشيخ أبي خالد السوري» (الذي قُتل في شباط الماضي، راجع الأخبار / العدد 2230/ 24 شباط 2013). ورغم أن الظواهري لم يذكر في كلمته بالاسم أيّاً من الأطراف، سواء التنظيمات أو الأفراد، كان يتحدّث بوضوح عن «داعش»، عبر دعوة «جميع المسلمين ألّا يعينوا من يفجّر مقار المجاهدين ويرسل لهم السيارات المفخخة، والقنابل البشرية، وأن يتوقفوا عن دعمه بأية صورة» (وهو الأسلوب الذي دأب داعش على استخدامه في حربه مع «النصرة» وحلفائها القاعديين). وعزّى الظواهري بـ«هذه الفتنة العمياء، التي حلت بأرض الشام المباركة»، واصفاً قاتل أبو خالد بـ«المسكين المغرر به، الذي دفعه من دفعه (في إشارة إلى أبو بكر البغدادي زعيم داعش) بدافع الجهل والهوى والعدوان والطمع في السلطة ليقتل شيخاً من شيوخ الجهاد، أمضى عمره من ريعان شبابه مجاهداً ومدرباً ومهاجراً وناشراً للحق وصابراً على الأسر». وأسهب الظواهري في مديح أبو خالد الذي عرفه «من أيام الجهاد ضد الروس، ومنذ أن عرفته إلى أن أسر في باكستان كان رفيق أستاذ المجاهدين الشيخ أبي مصعب السوري».
وكشف زعيم «القاعدة» أن «قيام الثورة السورية المباركة، وارتفاع علم الجهاد، والسعي لإقامة الدولة الإسلامية» قد أعادت التواصل الذي انقطع بين الرجلين بعد أسر السوري، ثم «يسر الله التواصل بعد أن فرج الله عنه ونجاه من أسر البعثيين النصيريين، وكان لي ولإخواني نعم الناصح المشير»، ما يشيرُ بوضوح إلى أهمية الدور الذي لعبه أبو خالد في الخطوات التي أقدم عليها «القاعدة» في سوريا. وأضاف: «وأخبرني رحمه الله أنه يرى في الشام بذور الفتنة التي عاصرها في بيشاور (...) هذه الفتنة التي رآها وأخذ يحذر منها، شاء الله أن يكون شهيدها». وأكد الظواهري أن «هذه الفتنة تحتاج من كل المسلمين اليوم إلى أن يتصدوا لها، وأن يشكلوا رأياً عاماً ضدها، وضد كل من لا يرضى بالتحكيم الشرعي المستقل فيها، وأؤكد على المستقل، فلا عبرة بتحكيم يعين أعضاءه الخصوم. وعلى كل مسلم ومجاهد أن يتبرأ من كل من يأبى ذلك التحكيم». ولم تخلُ كلمة الظواهري من تهديدات مماثلة، جاءت في شكل رسائل وإشارات، إذ شبّه قتل أبو خالد بـ«قتل الشيخين محمد السعيد والرجام (عبد الرزّاق الرجام) رحمهما الله على أيدي الجماعة الإسلامية المقاتلة بالجزائر». ويُعتبر السعيد والرّجام من رموز الحركة الإسلامية في الجزائر. كان الأول عضواً في «المجلس الشوري الوطني للجبهة الإسلامية للإنقاذ»، و«مسؤول خلية الأزمة»، والثاني «عضو المكتب الوطني للجبهة الإسلامية» و«عضو خلية الأزمة». وقد اغتيل الاثنان في تشرين الأول 1995. ووصل التهديد ذروته مع إشارة الظواهري إلى أن حادثة اغتيال «الشيخين» على أيدي «الجماعة الإسلامية المقاتلة» قد «مثلت الموت المعنوي لتلك الجماعة، ثم تبعه موتها المادي»، ما يعني تهديداً واضحاً بمصير مماثل لـ«داعش». كذلك شدّد على أن «الذي تورط في تلك الجريمة (قتل أبو خالد) لن يخفى أمره، وسيعرف ولو بعد حين، فقد سبقه مجرمو الجماعة الإسلامية المقاتلة، فأنكروا بداية قتلهم للشيخين محمد السعيد والرجام رحمهما الله»، في إشارة إلى البيان الذي تبرّأ فيه «داعش» من مقتل السوري.
«داعش»: والله
لنبيدَنّ جبهة الجولاني ومَن وراءها، إن لم يعرفوا حدودهم


ورأى مصدر «جهادي» مرتبط بـ«داعش» أن دعوة الظواهري إلى التحكيم «محاولةٌ للمكر بنا. ولكنّ الله خير الماكرين، وسندفعُ مكرهم بمكر الله». وأوضح المصدر لـ«الأخبار» أن كلام الظواهري يعتبر «مقدمةً لحشد رأي إسلامي عام ضدّ الدولة (داعش)»، متوقعاً أن تتم الدعوة قريباً إلى التحكيم بين النصرة و«داعش»، و«سيحاولون فرض مُحكمين يوالونهم ولو ادّعوا الحياد، فإذا قبلنا بهم ظلمونا بحكمهم، وإن لم نقبل استغلوا الأمر ليوغروا صدور الأمة ضدّنا». وأضاف المصدر «لم يُعهد عن الدولة القبول بمحاكم باطلة، والمحكمة المستقلة بدعةٌ باطلة، لم يقم عليها دليل، أو يأتي بها تنزيل، أو عمل من صالح السلف». وأكّد أن المحاكم الشرعية هي المحكمة المشتركة، مضيفاً «ودليلنا على ذلك قول الله تعالى [وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها]. فأين نصيب المحكمة المستقلة من هذا الأمر؟». وذكّر المصدر بكلمة المتحدث باسم «داعش» أبو محمد العدناني، التي تحدّث فيها عن «كذب الادعاءات التي تقول إن الدولة ترفض التحاكم إلى شرع الله»، مكِّرراً ما قاله العدناني حينها من أن «المحاكم التي تدعو إليها جبهة الجولاني مرفوضة، فلربما كان أول حكم لتلك المحاكم خروج الدولة من الشام وتسليمها للخونة واللصوص والغادرين»، وهو أمرٌ «دونه كسر الجماجم وضرب الرقاب وبقر البطون». وقال المصدر «لن يقتصر الأمر على ضربة هنا، وأخرى هناك. بل والله لنبيدَنّ جبهة الجولاني ومَن وراءها، إن لم يثوبوا إلى رشدهم ويعرفوا حدودهم». وختم بالتأكيد على أن «هذا ليس رأياً شخصيّاً، بل أمر يتداوله الإخوة الأمراء».




الظواهري يكشف مصير أبو مصعب السوري

حملت كلمة زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، التي نُشرت أمس، اعترافاً صريحاً بوجود أحد أبرز الشخصيات القاعدية السورية، أبي مصعب السوري، في الاعتقال حتى الآن، خلافاً لكلّ الأقاويل التي خرجت في هذا الشأن. ففي سياق كلمته، قال الظواهري العبارة الآتية: «أستاذ المجاهدين الشيخ أبي مصعب السوري فكّ الله أسره عاجلاً قريباً إن شاء الله»، ما يعني بوضوح امتلاك زعيم «القاعدة» معلوماتٍ تفيد باستمرار اعتقال أبي مصعب.
وكانت وسائل إعلامية عدّة، على رأسها صحيفة «صنداي تلغراف» (ومن بعدها صحف سعودية)، قد روّجت أن «السلطات السورية أطلقت سراح أبو مصعب مطلع عام 2012»، وأن الإفراج عنه جاء «كرد فعل من دمشق على الحملة الأميركية والغربية ضدها».
وأبو مصعب (اسمه الحقيقي «مصطفى عبد القادر ست مريم») هو أحد أشهر رجالات «القاعدة» السوريين، وسبق أن قاتل في تنظيم «الطليعة المقاتلة» ضد النظام السوري في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كما قاتل في أفغانستان، واعتقلته السلطات الأميركية في باكستان عام 2005، قبل أن يتم ترحيله إلى سوريا ضمن برنامج الترحيل السري الذي نفذته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.