لا يزال أهالي دير الزور يدفعون ثمن سيطرة الجماعات المسلّحة على أجزاء واسعة من مدينتهم، وتدميرها الأحياء والأسواق الرئيسة فيها. ورغم عودة نحو ثلثهم إلى المدينة، إلا أن اقتصار الخدمات والحركة الاقتصادية على حيَّي الجورة والقصور فقط، يجعل من عودة الغالبية مهمّة صعبة تَجهد الجهات الحكومية لتحقيقها. ولعلّ من مآسي المدينة أن سنوات الحرب أفردت لها أربع معارك كبرى، بالإضافة إلى قصف مركّز من «التحالف الدولي» بقيادة واشنطن، ما حَوّل أغلب أحيائها وأسواقها الرئيسة إلى ركام. إذ شهدت دير الزور معارك بين الجيش السوري ومسلّحي «الجيش الحر» بداية، ثمّ بين «الحرّ» و«جبهة النصرة»، وبين «النصرة» و«داعش»، وأخيراً بين «داعش» والجيش، قبل أن تعود بكاملها إلى سيطرة الحكومة.ويرى الكثير من السكّان أن اقتصار النشاط الاقتصادي على سوق شعبي محدود في حيّ الجورة، وغياب أيّ ملامح لعودة الحياة إلى وسط المدينة وأسواقها المدمَّرة في الحويقة والحميدية، يجعلان من فرص العودة محدودة. وبهدف تسريع وتيرة التعافي في الأحياء المحرَّرة، تطالب الجهات الحكومية، السكّان، بعدم الوقوف على أطلال ممتلكاتهم، والعمل على إعادة تأهيل ما أمكن منها، إلا أن الكثير منهم يرون أن لا جدوى من عمليات الصيانة، ويطالبون بإنجاز المخطّط الجديد للمدينة، وإعادة بناء الأحياء المدمّرة فيها بالكامل من جديد. ويعتقد أبو أحمد، الذي نزح من دير الزور واستقرّ في مدينة الحسكة بعد أن فقد منزله ومحلّه التجاري في شارع «ستّة إلا ربع»، أحد أشهر شوارع المدينة سابقاً، أن «عودته شبه مستحيلة»، معلّلاً ذلك بـ«الدمار الهائل الذي طاول أبنيتها السكنية، مع تدمير أغلب أسواقها وأحيائها الرئيسة، وعدم توفر الإمكانات الآنية لدى الأهالي والحكومة لإعادة بناء ما دُمّر بشكل كامل». ويعتبر أبو نادر، سائق صهريج المياه الذي يقطن في الحسكة حالياً، من جهته، أن «بعض أهل المدينة اتّكاليون، ويريدون من الحكومة أن تعيد بناء منازلهم المدمّرة على نفقتها الكاملة حتى يعودوا إليها»، واصفاً هذا الأمر بـ«الصعب في ظروف الحصار الاقتصادي الذي تعيشه البلاد».

وسط المدينة بلا روح
عادت أم علي للتوّ من زيارة طويلة إلى مدينة دير الزور، لتستقرّ من جديد في الحسكة، بعد أن رأت أن لا جدوى من العودة حالياً. تصف أم علي مدينتها بـ«المنكوبة»، لافتة إلى أنها «جالت في شوارع غسّان عبّود وسينما فؤاد وستة إلا ربع والسوق المقبي، ولم تختلف المشاهد عمّا شاهدته منذ ثلاثة أعوام، إلّا بإزالة الركام من الشوارع، مع استمرار الإغلاق شبه التام». وتضيف أن «بعض الخدمات كالمياه والكهرباء والاتصالات عادت، إلا أن استمرار مشاهد الدمار في المساكن والمحالّ يجعل من العودة إلى منزلي المدمّر جزئياً في حي الحويقة أمراً غير واقعي». بدوره، يشير ربيع، الذي عاد إلى منزله في حي الحميدية، إلى أن «الواقع هناك صعب، مع نقص في النظافة والكهرباء والخبز، وعدم وجود إنارة، إلا أنها تبقى أفضل من تكلّف أعباء استئجار منزل آخر في الأحياء المأهولة». أمّا كمال، فيخالفهما الرأي، معتبراً أن «الخدمات التي قُدّمت حتى الآن مقبولة، قياساً بالإمكانات المحدودة للحكومة»، متابعاً أن «إيصال المياه والكهرباء وإنارة الشوارع وتأهيل الأفران والمدارس خطوات ستشجّع الكثير من السكان على المبادرة لترميم منازلهم وإعادة الحياة إليها». ويعتقد كمال أن «حجم الدمار يحتاج إلى فترة طويلة حتى يلمس السكان في وسطه أثراً إيجابياً يشجّعهم على العودة».
أكثر من ثلثي سكّان أرياف دير الزور عادوا إلى منازلهم واستأنفوا نشاطهم الزراعي


وكانت قد نجحت مؤسسة المياه الحكومية في إعادة تأهيل 63 محطّة، وربطها بغالبية التجمّعات السكّانية في الريف والمدينة، مع خطّة لإعادة تأهيل بقية الشبكات، وتأمين المياه للسكان كافة. لكن الأهالي لا يزالون يعانون، كغيرهم من السوريين، من شحّ في التيار الكهربائي، وعدم توفّر بدائل، وارتفاع تكاليفها، ما يجعل الكثير من المناطق تعيش في الظلام لساعات طويلة. كذلك، يواجه الأهالي صعوبات في توفير رغيف الخبز، بالإضافة إلى نقص في الخدمات الطبية في الأرياف، في ظلّ ضعف الإمكانات في المستوصفات. وفي هذا السياق، يُبيّن محافظ دير الزور، فاضل النجار، في تصريحات إعلامية، أن «أولوية العمل الحكومي تكمن في توفير الخدمات، ومستلزمات الإنتاج، بهدف إعادة الأهالي إلى منازلهم وحقولهم»، مؤكداً أنه «سيتمّ وضع سلّم أولويات وخطط مدروسة، لتنفيذها وفق الإمكانات المتاحة، لتوفير الخدمات للأهالي».

الحياة تعود إلى الأرياف
تؤكد الإحصاءات الحكومية أن أكثر من ثلثَي سكّان أرياف دير الزور قد عادوا إلى منازلهم، واستأنفوا نشاطهم الزراعي بشكل تدريجي. ويعود ذلك إلى محدودية الدمار في تلك الأرياف. ووفق مدير الزراعة، محمود الحيو، في تصريح إلى «الأخبار»، فإن «44 وحدة إرشاد زراعي عادت للعمل من أصل 48 كانت تعمل قبل الحرب». ويلفت الحيو إلى أن «المديرية عملت مع الجهات المحلية والأهلية على إعادة تأهيل شبكات الريّ والمحركات الزراعية في أجزاء واسعة من الأرياف الشرقية والغربية والشمالية، ما أدّى الى عودة لافتة للنشاط الزراعي»، مؤكداً أن «الجهود الحكومية مستمرّة لإعادة تأهيل عدد من قطاعات الريّ، وبعضها سيدخل الخدمة مطلع العام المقبل بمساحة 14 ألف هكتار، ما سيُسهم في عودة المزيد من السكّان، واتّساع رقعة المساحات المزروعة». ويبلغ عدد سكان مدينة دير الزور، بعد ثلاثة أعوام من تحريرها، 195184 نسمة، بزيادة تصل إلى قرابة الـ 100 ألف عمّا كانت عليه خلال سنوات الحصار، فيما كان يُقدّر عدد سكان المدينة قبل الحرب بأكثر من 400 ألف نسمة. وعاد عشرات آلاف السكّان إلى الأرياف بعد تحريرها من قِبَل الجيش السوري، ويُقدّر عدد قاطني قرى الريف الغربي بنحو 194100، والريف الشرقي بـ742338، والريف الشمالي الغربي بـ73922، بإجمالي يصل إلى 1205544.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا