القاهرة | لم تنجح وساطة رئيس الحكومة المصرية إبراهيم محلب في وقف الاشتباكات التي دارت في مدينة أسوان بين قبيلتي «دابوت» و«الهلايل». فبعدما اتفق الطرفان على التهدئة بحضور محلب الذي أتى إلى أسوان برفقة وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم والتنمية المحلية عادل لبيب، فضلاً عن محافظ أسوان مصطفى يسري، عادت المواجهات لتندلع من جديد أمس، ليصل عدد الضحايا إلى 25 قتيلاً وإصابة أكثر من 50 آخرين بجراح. وكان محلب قد أمر بتشكيل لجنة تقصّي حقائق استجابة لطلب القبيلتين، مهمتها التوصل إلى سبب الاشتباكات وحصر الخسائر البشرية والمادية، متعهداً بأن المتسبّب بالفتنة «لن يفلت من العقاب»، وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم أكد أن الوضع في مدينة أسوان «معقد، ودفعنا بتعزيزات أمنية» للسيطرة عليه.
وأضاف، في كلمة خلال احتفالية شرطية في القاهرة، أن «المشكلة (في أسوان) لها تفريعات عديدة، لكن الأجهزة الأمنية بمعاونة كبار القرية والعقلاء والعمد في طريقها إلى حل الأزمة».
وأفادت وزارة الداخلية، في بيان، بأن الأجهزة الأمنية تمكنت من إلقاء القبض على 3 من المشتبه في تورطهم في تلك الأحداث، وهم من قبيلة «الهلايل».
وكانت الاشتباكات احتدمت أول من أمس بعدما تطورت جلسة للمصالحة عقدت بين القبيلتين الجمعة إلى مشاجرة تبادلوا فيها إطلاق الأعيرة النارية، ما أدى إلى وفاة أربعة أشخاص.
وبحسب بيان لوزارة الداخلية، فإن سبب الاشتباكات هو «حدوث مشاجرة بين طلبة ينتمون إلى منطقة النوبة وآخرين من قبيلة الهلايل بسبب معاكسة إحدى الفتيات وقيام كلا الطرفين بكتابة عبارات مسيئة ضد الطرف الآخر» يوم الاربعاء الماضي. الطالب طارق حسين من مدرسة محمد صالح الميكانيكية الصناعية حيث دارت المواجهات أول مرة، أوضح لـ«الأخبار» أن «الاشتباكات بدأت بكتابة عبارات مسيئة ونابية بين قبيلتي «دابوت» و«الهلايل» على جدران المدرسة، الأمر الذي أثار حفيظة الطلاب، وبعدها نشبت المعركة بينهم مستخدمين الحجارة، ومن ثم انتقلت إلى خارجها».
من جهته، إبراهيم عثمان، مقيم في منطقة الاشتباك، أكد أن قبيلة «الهلايل» لديها «مشاكل مع أغلب القبائل الأخرى، سواء كانوا الصعايدة أو النوبية (العبابدة والبشارية والسوهاجية والأسولية) وهذه ليست المشكلة الأولى لهم. ولفت عثمان في حديثه إلى «الأخبار» إلى أنه سبق أن اجتمعت بعض القبائل وأصرّوا على ترحيل «الهلايل» خارج البلاد وتم احتواء الموقف، موضحاً أن «لغة التحريض التي مارسها النشطاء النوبيون ساعدت في تأجيج الصراع، بالتزامن مع تجاهل وزارة الداخلية للأوضاع وتخاذل دور المحافظ، ولولا الاهتمام الإعلامي لما هدأت الأوضاع».
ولفت عثمان إلى أن «أبناء قبيلة «الهلايل» ينتمي أغلبهم الى بلدة إسنا في محافظة الاقصر، لكن الكثير منهم من «الغجر»، أي ليسوا الأبناء الاصليين للبلدة، نزحوا إلى أسوان للعمل في بيع المخدرات وكخيالة وبعض الأعمال المتعلقة بالسياحة، ويسكنون في أماكن غالباً ما تسمى بـ«ربع الخراب»، نظراً إلى ما تحتويه هذه المنطقة من أعمال غير مشروعة».
من جهتها، تحدثت مصادر أمنية عن أن «الدافع الرئيسي وراء احتدام الأوضاع في أسوان جاء نتيجة توجيهات من الرئيس المعزول محمد مرسي، حيث تم تسجيل حديث له خلال انفراده بوفد من فريق دفاعه قال فيه «مالكم ناسيين الصعيد، ليه أنا مش شايف فيها مشاكل».
وأشارت المصادر في حديث إلى «الأخبار» إلى أن «اختيار النوبة ليس بالمصادفة، والهدف هو انتقال مسرح عمليات الجرائم الدموية لحصد أرواح الأبرياء من خلال إشعال الفتن»، مضيفةً أن الهدف من وراء ذلك إيصال صورة إلى العالم الغربي عن ضعف الجهات الأمنية في ضبط الشارع وتراخيها عن التصدي لإشاعة الفوضى في البلاد، إضافة إلى إلهاء الجيش عن ضبط الحدود الملتهبة في تلك المنطقة عبر الدفع به للتدخل في فضّ الاشبتاكات الاهلية، وأخيراً فرصة مناسبة لتوسيع دائرة انتشار قوات وزارة الداخلية لتشتيت جهودها في ضبط الأمن.
وشددت المصادر على أن «قيادات المؤسسة العسكرية يقظة لمخطط جرّها إلى الشارع ومستعدة لإجهاضه، ولن تسمح بتفتيت الوطن»، لافتة إلى أن وزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي وقّع أمراً بتعزيز القوات هناك بوحدات ومدرعات إضافية لتطويق المنطقة، بالتنسيق مع وزارة الداخلية، لوقف اقتتال القبيلتين.
التقارير الاستخبارية ربطت زيارة وفد قبائل «النوبة» إلى المشير عبدالفتاح السيسي، المرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية، بـ«افتعال» قبيلة «الهلايل» مشكلة في اليوم التالي، ليحتدم الاقتتال بين أبناء النوبة الملاصقة حدودياً للسوادن». وتقول الأجهزة الأمنية إنها «رصدت أنشطة المعهد الديموقراطي الذي كثّف نشاطه منذ ستة أشهر في مدينة أسوان بعقد دورات للشباب الناشئ هناك». في هذا الوقت، اتهم سعد حسين، رئيس جمعية بني هلال وأحد مشايخ قبيلة «الهلايل»، جماعة الإخوان بإشعال الفتنة بين القبيلة التي ينتمى إليها، والنوبيين في أسوان. وقال حسين لـ«الأخبار» إن «العبارات المسيئة للنوبيين والهلايل، مكتوبة على الجدران بالخط نفسه، وهو ما يؤكد أن شخصاً واحداً كتبها، ولا مصلحة لأحد في إشعال الفتنة إلا جماعة الإخوان». بدوره، اتهم وكيل وزارة الأوقاف في أسوان الشيخ محمد عبدالعزيز التقصير الأمني في التعامل مع الفتنة الإخوانية، شاكياً في اتصال مع «الأخبار» «غياب الأمن عن المنطقة رغم وجود ملثمين قاموا بقنص وذبح أبناء القبيلتين من دون التعرف إلى هوياتهم».
وعلّق أستاذ علم الاجتماع في جامعة القاهرة الدكتور محسن إبراهيم على الأحداث بقوله إن «الخط نفسه الذي كتبت به العبارات المسيئة لقبيلة الهلايل كتبت به العبارات المسيئة لقبيلة دابوت النوبية»، لافتاً إلى أن «خارطة تقسيم مصر المزاح عنها النقاب أخيراً تسعى لفصل النوبة وأسوان عن مصر عن طريق افتعال حرب أهلية بين القبائل، وما يفتأ الوضع يتأزم حتى يتم تدويل القضية وتتدخل منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ليتشدقان بكارت حق تقرير المصير».
بدوره، رأى الباحث السياسي في جامعة عين شمس، هاني مهران، أن ملحوظة السباب والشتائم على جدران مدارس أسوان تذكر باللافتة المجهولة «بلد البالة فهاش رجالة» التي رفعت قبيل مذبحة بورسعيد التي راح ضحيتها 74 عضواً من جماهير النادي الاهلي، «وهو ما يلفت الأنظار إلى وجود أياد خارجية تحاول تفتيت الكيان المصري بخلق تعصّب قبلي وطائفي بدأ في مباراة مصر والجزائر وموقعة الجمل وتفجير كنيسة القديسين في الاسكندرية وإشعال الفتن الطائفية المتكررة».