عمّان | جاء الترحيب الأردني سريعاً بالبيان الصادر عن الكويت في شأن المحادثات الرامية إلى إنهاء الأزمة الخليجية والتوصّل إلى اتفاق نهائي حول قضايا أبرزها «تعزيز الأمن العربي الشامل لمواجهة التحدّيات المشتركة»، الأمر الذي يمكن اختصاره بمواجهة إيران والتحالف مع إسرائيل. قد يبدو ملفّ طهران بعيداً من القلق الأردني، لكنّ عمّان قَدّمته كإحدى القضايا الساخنة في الإقليم، خصوصاً أن أوّل مَن ابتدع مصطلح «الهلال الشيعي» هم مستشارو الملك عبد الله الثاني، بعد احتلال العراق. وبصورة عامة، توصف العلاقة الأردنية مع دول «مجلس التعاون الخليجي»، اقتصادياً أو اجتماعياً أو عسكرياً، بأنها حالة شراكة مستمرّة قَدّمت المملكة خلالها خدمات متعدّدة، أبرزها مثلاً قمع الاحتجاجات في البحرين، فيما لم تبخل دول الخليج بالمساعدات، ولا سيما خلال «الملكية الرابعة» بعد رحيل الملك حسين، وتبدُّل الموقف الرسمي عمّا كان في حرب الخليج الثانية.منذ ثلاث سنوات، بدا تأثير «خصومة الأشقاء» واضحاً على العلاقة بين عمّان والدوحة وانخفاض التمثيل الديبلوماسي بينهما آنذاك، بالتوازي مع النقد المستمرّ للنظام الملكي في الإعلام القطري، وما تبع ذلك حين أُغلقت مكاتب «الجزيرة» في المملكة. وعقب تبدّل الوجوه منذ عهد عبد الله، سواء في السعودية وقادة قطر والبحرين والإمارات، تراجع الدعم المادي المباشر، فضلاً عن أن الأردن لم يستثمر العطايا الخليجية السخية لتأسيس مشاريع تنموية حقيقية، عدا حالة الفساد الكبيرة داخله. من هنا، يُفهم اهتمام الخليجيين لاحقاً بالإشراف المباشر على أوجه الصرف، إلى جانب إبقاء الاقتصاد الأردني في حالة شدّ مستمرّ، ما يُسهّل عقد اتفاقات مقابل دعم مشروط. وتجلّى ذلك في الضغوط المرهقة على عمّان عام 2018 قبيل إعلان «صفقة القرن» العام الفائت.
كان لتغيُّر منهجية الدعم الأثر الكبير في الموازنة الأردنية، خصوصاً مع أعباء اللجوء السوري وإخلاف الداعمين بوعودهم في شأنه، مع أن عمّان استقبلت أعداداً كبيرة من اللاجئين في سياق سياسي ما لبثت أن وجدت نفسها عاجزة أمام استحقاقاته الإنسانية. وفي سياق الدعم الخليجي في الملف السوري، كانت دول «مجلس التعاون» تتواصل مباشرة مع اللاجئين من دون وساطة الدولة المضيفة، بل خلا بعض المنح من أيّ دعم لخزينة الدولة، علماً بأن الرياض والكويت وأبو ظبي حوّلت ما تعهدت به بواقع 1.25 مليار دولار من كلّ منها، فيما غابت الدوحة عن الوفاء بهذا الالتزام.
كان لتغيّر منهجية الدعم الخليجي الأثر الكبير في الموازنة الأردنية


كلّ ذلك مضى. والآن، بعدما تَسبّبت إرهاصات اللهاث الخليجي للتطبيع مع تل أبيب في إعادة عمّان حساباتها الإقليمية وحصرها في مساحة مناورة ضيّقة، جاء الانفتاح السعودي - البحريني كبادرة فرج، عقب سنة من القرار الأردني الانفتاح على القطريين ورفع التمثيل الديبلوماسي إلى ما «فوق العادة». ويرى النظام في الأردن أن وجود قضية جامعة إقليمياً تحظى بأولوية البيت الأبيض يسمح له بالظهور كلاعب مهمّ في المنطقة، خصوصاً في ظلّ التقارب الأردني مع الحزب الديموقراطي. من هنا، يأتي التركيز على العداء الإيراني؛ فهو من جهة يوحّد الجهود ويُقلّل الخلافات ويزيد المكاسب المادية والمعنوية للمنضوين إلى لوائه، ومن جهة أخرى، يسمح لعمّان بالتنصّل من تبعات إصرارها على حلّ الدولتين، بل ربّما يستطيع الخليجيون - من وجهة النظر الأردنية - إيجاد مخرج مناسب من «صفقة ترامب» التي تراها عمّان مجحفة بما يمكن أن يكون مقبولاً أردنياً وللسلطة الفلسطينية.
إذاً، الكلّ في انتظار بايدن، والأردن مستعدّ للعب دور مقبول في مرحلة ما بعد دونالد ترامب. وما دام هناك توافق خليجي بصيغة ما وعودة للمياه إلى مجاريها، ستتراجع شراسة أطراف الصراع، وهذا يضمن المساحة المريحة لعمّان ذات الثقل الاقتصادي القليل، لكن العسكري الكبير والمدرّب، ليتناغم مع أداء القوات الأميركية في المنطقة. أخيراً، وداخلياً، لا يوجد مراكز قوة فعالة قادرة على فرض رؤية أخرى للسياسة الخارجية، فمع الوضع الوبائي وتبعاته الاقتصادية، لا أثر لمعارضة ملموسة على سياسة الدولة. وإن كانت جماعة «الإخوان المسلمون» هي اللاعب الأبرز خلال السنوات الماضية، فالظاهر أنه مع المصالحة الخليجية سيلحق بها تحجيم إضافي، إلى ما فعلته بها الدولة العميقة منذ انهيار مشروع الجماعة في مصر.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا