غزة | لم يكن انعطاف السلطة الفلسطينية المفاجئ نحو إعادة العلاقات مع العدو الإسرائيلي، والتلويح بعقوبات جديدة ضدّ قطاع غزة، ثمّ طلب المصريين من حركة «حماس» المحافظة على الهدوء حالياً، سوى مقدّمات لما يُخطّط له في المنطقة، وخاصة في ما يتعلّق بقطاع غزة، الذي تبدو العين الإسرائيلية ــــ الأميركية ــــ العربية حالياً مُركّزة عليه، بوصفه "البقعة المشكلة" التي يمكن أن تُمثّل عائقاً أساسياً أمام تلك المخطّطات. هكذا، بالتزامن مع التحريض الإسرائيلي على غزة في وسائل الإعلام العبرية، والمطالبة بتفجير «دُمّل غزة» كما وصفته صحيفة «معاريف» العبرية أمس، حتى ترتاح منه جميع دول العالم عدا إيران وتركيا و"حزب الله"، وفق الصحيفة نفسها، تتنبّه حركة «حماس» إلى إمكانية دخولها في دوّامة خداع مصرية جديدة تُمهّد لتوجيه ضربة إسرائيلية مفاجئة قبل مغادرة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في العشرين من الشهر المقبل.هذه التقديرات عزّزتها زيارة الوفد الأمني المصري لغزة أول من أمس؛ إذ بحسب مصادر في «حماس»، فإن الوفد جاء بجملة طلبات؛ منها «المحافظة على حالة الهدوء، وضبط الوضع الميداني في الحدود، ومنع إطلاق الصواريخ»، مُنبّهاً إلى أن بعض الفصائل قد تدفع إلى «تدهور الأوضاع»، مشيراً خصوصاً إلى «الجهاد الإسلامي». وترى المصادر أن الظاهر في الكلام المصري هو رسالة إسرائيلية فحواها المحافظة على الهدوء، وأنه "لا نيّة لدى جيش العدو في مواجهة جديدة، وأن المعركة ليس مكانها غزة". وتستدرك المصادر نفسها: «قد يكون ذلك صحيحاً وقد تكون الضربة في مكان آخر (ضمن حلف المقاومة)... لكننا نشتمّ رائحة غدر».
طلبت القاهرة من «حماس» ألّا تعارض أيّ خطوات في عملية التسوية وهو ما رفضته الحركة


اللافت أن الرسالة الإسرائيلية ترافقت وخطوات عملية انطلقت فجأة، وأُعلن بعضها مع زيارة وفد أوروبي قبل أيّام، وعد بتنفيذ عدد من المشاريع، فضلاً عن سماح العدو بدخول المستلزمات الطبية والإغاثية إلى القطاع. ومن الجانب المصري أيضاً، وعد الوفد بتطوير التجارة مع غزة، و«التفكير في فتح معبر رفح دائماً»، فضلاً عن تسهيل فتحه ثلاثة أيام أسبوعياً، لكن بشرط استمرار الهدوء. كلّ هذا التقدم يثير الريبة لدى صانعي القرار في غزة، ويضعهم أمام عدد من التساؤلات؛ أبرزها: هل هذه خديعة مصرية جديدة أم استجابة لتحذيرات الحركة من تزايد فرص التدهور؟ الظاهر أن القاهرة تريد فعلياً من «حماس» الصمت خلال المرحلة المقبلة من أجل تمرير خطّتها لتحريك «قاطرة السلام»، وخاصة بوجود نيّة واضحة لديها لدعوة رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، إلى زيارة القاهرة الأسبوع المقبل، أو الذي بعده على أبعد تقدير، فضلاً عن أن التحرّك المصري قد يُفهم على أنه نابع من رغبة الرئيس عبد الفتاح السيسي في استعادة دور بلاده في المنطقة ومحاولة فرض نفسه كطرف أساسي في القضية الفلسطينية، ليمنع الإدارة الجديدة للبيت الأبيض من إقصائه (راجع عدد 1 كانون الأول).
في هذا السياق، نقلت صحيفة «يسرائيل هيوم» أن مصر أرسلت فعلياً، أول من أمس، دعوة إلى نتنياهو من أجل «لقاء السيسي والتباحث في مجموعة كاملة من القضايا الإقليمية، على رأسها تعزيز العلاقات الأمنية في مواجهة التهديد المتزايد من إيران». وإن كان هذا الموعد دقيقاً، فإنه يأتي بعد نحو عشرة أيام من زيارة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، للقاهرة، وطلبه من السيسي التوسّط لإعادة عملية التسوية على قاعدة «الشرعية الدولية وبرعاية اللجنة الرباعية»، وهو ما سيستمزجه الأخير مع نتنياهو قبل بدء هذه الخطوة.
المطالب المصرية من «حماس» لم تقتصر على الاستمرار في حالة الهدوء، بل تعدّته إلى التشديد للحركة على ألّا تعارض أيّ خطوات تقودها القاهرة في عملية التسوية. لكن المصادر تقول إن قيادة «حماس» رفضت ذلك، وأبلغت الوفد أنها لن تعطي عباس أيّ شرعية، وخاصة بعد تخلّيه عن طريق المصالحة وعودته إلى «التنسيق الأمني». وتضيف المصادر إن الخشية الكبرى لدى «حماس» هي من وجود ترتيبات إقليمية ضدّ قطاع غزة قبيل مغادرة ترامب، بما يُمهّد لانطلاقة جديدة لدوّامة المفاوضات في عهد جو بايدن.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا