لم يُضع الحسن الثاني وقتاً. وما بين عامَي 1961 و1964، بدأ العمل مع إسرائيل سرّاً؛ فساعدها على تهجير ونقل 97 ألفاً من اليهود المغاربة - عبر أوروبا - إلى فلسطين المحتلّة (كانت هجرة يهود المغرب إلى إسرائيل قد أُوقفت عام 1956). وفي عام 1965، عقد صفقة معها، إذ قام بالسماح لـ«الموساد» الإسرائيلي بالتجسّس على مؤتمر القمّة العربية الذي عُقد عنده في المغرب، وسجّل كلّ المداولات والنقاشات، بما فيها السرّية والمغلقة. وفي المقابل، ساعده «الموساد» في تعقّب واختطاف وقتل المعارض المغربي الأبرز والأخطر له، المهدي بن بركة، في باريس.
لعِب الحسن الثاني دوراً مهمّاً في التقريب بين مصر وإسرائيل
وعلى رغم العلاقات السرية الوثيقة التي كان الحسن الثاني قد نسجها مع إسرائيل، إلّا أنّه، بذكائه الفطري، لم يكن يغفل عن أهمية الظهور أمام شعبه بمظهر المؤيّد للحق العربي في فلسطين. وهكذا، اتخذ قرار إرسال لوائَي مشاة ضَمّا عشرات الجنود، واحد إلى الجبهة المصرية، وآخر إلى الجبهة السورية، للمشاركة في «حرب أكتوبر» 1973، عدا الكلام العلني عن المسجد الأقصى واهتمام «أمير المؤمنين» به. وعندما أسّست منظمة المؤتمر الإسلامي «لجنة القدس»، عام 1975، أسندت رئاستها إلى الحسن الثاني.
لعب الحسن الثاني دوراً مهمّاً في التقريب بين مصر وإسرائيل، عن طريق تسهيل وتشجيع الاتصالات السرية بين الطرفين. فحينما بدأ أنور السادات استعداداته لمشوار «السلام»، لم يجد أفضل من صديقه الملك ليساعده في نقل أفكاره لإسرائيل والتواصل مع قياداتها. وبالفعل، قام الحسن الثاني بترتيب أهم لقاء سري جرى قبيل زيارة السادات إلى القدس، عام 1977، بين وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه ديان، ومستشار السادات المقرّب، حسن التهامي، حيث اجتمعا في المغرب وبرعايته. وفي الثمانينيات، اعتبر الحسن الثاني أنّ الوقت قد حان والظروف تهيّأت للمجاهرة بعلاقته مع إسرائيل، وكسر المزيد من «الحواجز النفسية» بين العرب وإسرائيل. في عام 1986، استقبل رئيسَ الحكومة الإسرائيلية في قصره في الرباط، وسمح الملك بالإعلان عن تلك الزيارة واللقاء الذي جمعه مع شمعون بيريز. ويومها، قال الإعلام المغربي إنّ الاجتماع حصل «من أجل دعم الشعب الفلسطيني». وفي عام 1990، عيّن الحسن الثاني أندريه أزولاي، وهو يهودي مغربي - فرنسي عالي الثقافة، مستشاراً خاصّاً له. بقي أزولاي لصيقاً بالملك بعدها، يقدّم له «النصح» في كلّ محطّاته إلى أن توفّي عام 1999، فكان من ضمن «الترِكَة»، فورثه محمد السادس وهو معه إلى اليوم. أرسلت إسرائيل وفداً ضخماً ضمّ 200 شخصية رسمية للمشاركة بجنازته والتعزية بوفاته.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا