الرباط | اختار الأمير هشام العلوي بن عبدالله، ابن عم الملك المغربي محمد السادس، الظهور إعلامياً من فرنسا بعد أسابيع قليلة فقط على الأزمة الديبلوماسية بين المغرب وفرنسا، وذلك عبر بوابة صحيفة «لوموند» الفرنسية، التي خصّها بحوار (نشر الجمعة)، يسبق صدور كتابه المنتظر «يوميات أمير منبوذ». استعمل الأمير لهجة قوية في مهاجمة النظام القائم حالياً في المغرب، لهجة تؤشر إلى احتمالين: إما أن الأمير حسم خياراته واتخذ قراره بالقطيعة التامة وحذف «خط الرجعة» نهائياً وإلغاء إمكانية المصالحة مع القصر، وإما أن الأمر يتعلق بمزايدة لرفع الموقع التفاوضي للحصول على دور ما في المستقبل السياسي للمغرب.
«لقد غادرت المنزل، ولن أعود إليه»، يقول الأمير في إشارة إلى خروجه من القصر وعدم اتفاقه مع سياسات الملكية في المغرب، في محاولة منه لقطع الشك باليقين أمام من يشككون في صدقية خطابه المعارض ونياته، ويذهب أبعد حينما يصدر حكمه على عهد الملك محمد السادس بعد رحيل الحسن الثاني، ويعلن فشله في تحقيق التغيير. يقول «لقد ورث محمد السادس وضعاً غير مسبوق من الهدوء والإجماع حول الملكية. مرّ انتقال الحكم إلى الابن بسلاسة، على عكس الآخرين الذين وجدوا أنفسهم في ظروف تطبعها التوترات والاضطرابات. محمد السادس تردد في البداية، لكن في نهاية المطاف بقينا في المنطق نفسه، لقد قمنا بتضييع موعد مع التاريخ... الحسن الثاني كان شغوفاً بممارسة حرفة الملك، وهو ما جرّه إلى نظام حكم مطلق، على العكس منه محمد السادس الذي كانت تعوزه الحماسة، وهو ما عطّل الوصول إلى الديموقراطية».
وينصح هشام العلوي، في حواره مع «لوموند»، الملكية بالقضاء على «المخزن» (أصحاب الشأن في المجتمع المغربي من النظام الملكي والأعيان وقادة أمنيين وزعماء القبائل وتجار وملّاك...)، إذا أرادت الاستمرار؛ «المخزن يعتمد على الملكية ليعيش، والملكية تعتمد هي الأخرى على المخزن لتستمر... المغرب لا يمكنه التطور مع استمرار المخزن، وفي هذه الحالة الملكية هي من ستدفع الثمن».
قبل هذا الظهور الإعلامي الأخير، كان هشام حريصاً على إبداء مواقفه في جميع المحطات البارزة من تاريخ الأحداث في المغرب خلال السنتين الماضيتين. كان يحرص بنحو لافت على إظهار أنه شخص يتواصل جيداً على عكس خصومه، وعلى أنه يقف دائماً في الصف المدافع عن الديموقراطية وحقوق الإنسان. كان يظهر تماماً كأي «معارض سياسي» منفي في الخارج، لولا أنه في حقيقة الأمر ليس ممنوعاً من السفر إلى المغرب ولا من التملك فيه.
ففي سنة 2011، في سياق الربيع العربي، خرجت مظاهرات حاشدة في المغرب تطالب بالتغيير السياسي ومحاربة الفساد. أعلن الأمير هشام في ذلك الوقت دعمه للاحتجاجات، مطالباً ابن عمه بالاستجابة السريعة لهذه المطالب.
في نيسان من السنة الجارية سيخلق مقال جديد للأمير جدلاً واسعاً، حينما سيكتب بطريقة تخيّليّة عن تصوره لمغرب سنة 2018. كتب الأمير عن عودته إلى المغرب عقب نجاح الثورة. تصوّر الأمير كل شيء: شكل المجلس التأسيسي، جماعة العدل والإحسان وقد تحولت إلى حزب سياسي، الإصلاح الزراعي...
وعند تفجّر ما عرف في الأوساط المغربية بـ«فضيحة كالفان»، مغتصب الأطفال الإسباني الذي استفاد من عفو ملكي، مفجّراً موجة غضب شعبية عارمة، حرص على كتابة مقال نشرته صحيفة «إلباييس» الإسبانية ينتقد فيه بنحو لاذع قمع الاحتجاجات أمام البرلمان، محمّلاً مسؤولية ما حدث لـ«التركز المفرط للسلطات في يد القصر». تكرر الأمر نفسه في قضية اعتقال الصحافي علي أنوزلا حينما علّق على الاعتقال بالقول إنه يفضح «هشاشة ما يسمّى الانتقال الديموقراطي» في المغرب.
جرّت تصريحات الأمير عليه حملة انتقادات كبيرة في عدد من الصحف المغربية التي تفرغت لمهاجمته لأشهر طويلة، إذ ظهر وكأن الأمر يتم بشكل منظم، حيث خصصت بعض الصحف حلقات متتالية لمهاجمة «الأمير» الخارج عن الأعراف والناقم على الملكية، بداية بالتشكيك في نزاهة ذمته المالية واتهامات بالتهرب الضريبي وصولاً إلى إبراز التناقض في خطابه، فهو يستمر في الاستفادة من المخزن وثرواته وينتقده في الوقت نفسه. إنها ازدواجية تكشف تناقضاً بين الخطاب والسلوك، يرى منتقدو الأمير، فيما ذهبت وسائل إعلام أخرى أبعد باتهامه بمحاولة التآمر على النظام، وتحدثت عن صحافيين عملاء له يعملون على تلميع صورته ويتلقّون رواتب منه.
وفي ما يبدو أنه تصريف للحرب الإعلامية بين القصر والأمير المقيم في أميركا، نشر موقع إخباري مغربي، مقرّب من دوائر قرار مغربية عليا، مقالاً طويلاً قبل أسابيع يدّعي فيه أن هشام العلوي ليس هو الكاتب الحقيقي للكتاب المنتظر، متهماً الصحافي والناشر السابق لمجلة «نيشان» أحمد بنشمسي بأنه الكاتب الحقيقي للكتاب، وبحصوله في مقابل ذلك على منحة للدراسة في جامعة ستانفورد. كذلك استبق المقال الكتاب واصفاً العنوان الذي اختير له بأنه كاذب، «الأمير الذي يقدم نفسه كباحث، من المفروض فيه أن يعي تماماً مواضع استعمال الكلمات، وهو يعرف بالتأكيد معنى كلمة منبوذ، التي يفيد معناها الطرد من البلد، وعدم السماح بالعودة، في حين أنه لا أحد في المغرب حكم على مولاي هشام بالنفي، كما أنه منذ أن استقر في الولايات المتحدة وهو يحلّ في المغرب وقتما شاء، وإذا ما أردنا أن نعرف عدد سفرياته إلى المغرب، يكفي فقط تذكّر أنه مدين للخطوط الملكية المغربية بمبلغ 4 ملايين درهم»، نقرأ في المقال المشكك في الكتاب.
هل هي مجرد رغبة في تصفية حساب عائلي لأمير كانت تحذوه الرغبة في أن يكون ملكاً؟ أم هي فعلاً وجهة نظر رجل يعتقد أن النظام الذي نشأ فيه لم يعد نظاماً صالحاً للحكم بشكله التقليدي الحالي ويحتاج إلى تغيير جذري؟ بغض النظر عن جواب هذا السؤال، فإن كتاب الأمير لن يمر حتماً من دون زوابع.




كتاب «الأمير الأحمر» يصدر اليوم

أكثر من 380 صفحة سيضمّها الكتاب الذي سيصدر رسمياً اليوم، يروي فيها الأمير هشام العلوي حياته، من الطفولة إلى الزمن الراهن؛ علاقته بوالده وبالملك الراحل الحسن الثاني، وبالملك الحالي محمد السادس. يقول هشام إن هدفه هو المساهمة في تنوير الناس وتوضيح الأمور بالنسبة إليهم، والمساهمة في فهم جزء من التاريخ المغربي المعاصر، نافياً أي طموح له في العودة إلى القصر.ويذكر أن الشرطة الفرنسية قد أعلنت نهاية شهر آذار الماضي اعتقال شخصين كانا يراقبان هشام مراقبة شديدة في مطار أورلي، واعترف أحدهما بأنه كلّف بمراقبة الأمير من طرف أشخاص مغاربة، غير أنه لم يكن يعرف أن الأمر يتعلق بأمير. ولم تستبعد مصادر إعلامية مقرّبة من هشام أن تكون لهذه الحادثة علاقة بنشر الكتاب.